كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
فمضوا إليه وأبلغوه رسالة محمد بن حمزة فقال : ما خلعت يدا من طاعة ، ولا أحدثت حدثاً ، وأنا صائر إليه معكم . ولكن أقيموا عليّ يومي هذا حتى أعدّ لهؤلاء القوم ما يصلحهم .
فأقاموا . فوجه إلى ابن حمزة ببقر وغنم وعلف وأحمال نبيذ . وكتب إليه : إني قادم بالغداة مع القاضي . فركن إلى قوله ، وأخذ هو ومن معه في الأكل والشرب . فلما أمسى منصور قبض على القاضي ومن معه ، وحبسهم في قصره . وجمع خيله ورجله ومضى إلى تونس . فما شعر به محمد بن حمزة حتى ضرب طبلوه على باب دار الصناعة . فقام ابن حمزة وأصحابه لأخذ سلاحهم وقد عمل الشراب فيهم . فأوقع بهم منصور وأصحابه فقتلهم . ولم يسلم منهم إلا من ألقى نفسه في البحر فسبح . وأصبح منصور ، فاجتمع إليه الجند . وكان عامل زيادة الله على تونس إسماعيل بن سفيان ابن سالم من أهل بيت زيادة الله ، فقتله منصور وقتل ابنه .
فلما اتصل بزيادة الله قتل ابن عمه وولده ورجاله ، جمع صناديد الجند ، ووجّههم مع غلبون . وركب بنفسه مشيّعاً له . فلما ودع الجند قال لهم زيادة الله : انظروا كيف تكونون وكيف تناصحون . فبا الله أقسم إن انصرف إليّ أحد منكم منهزماً لا جعلت عقوبته إلا السيف . فكان ذلك مما ساءت به نفوس القوم حتى هموا بالوثوب على غلبون . فمنعهم من ذلك جعفر بن معبد وقال : لا تحملكم إساءة زيادة الله فيكم أن تغدروا بمن أحسن إليكم وفك رقابكم . وكان غلبون يعتني بأمر القواد عند زيادة الله . فانصرفوا عن رأيهم فيه ومضوا حتى صاروا بسبخة تونس . فكاتب القواد الذين مع غلبون منصوراً وأصحابه وأعلموهم أنهم منهزمون عنه . فلما التقوا حمل منصور وأصحابه عليهم فانهزموا بأجمعهم . ثم اجتمعوا بعد الهزيمة إلى غلبون واعتذروا وحلفوا أنهم ناصحون واجتهدوا . وقالوا : نحن لا نأمن على أنفسنا . وإن أصبت لنا ما نأمن به قدمنا إن شاء الله . وتفرقوا عنه . وسار كل منهم إلى جهة فتغلب عليها . واضطربت إفريقية فصارت ناراً تتّقد .
وصار الجند كلهم إلى منصور الطنبذي ، وأعطوه أزمة أمورهم ، وولوه على أنفسهم . وقدم غلبون على زيادة الله فأعلمه الخبر . فكتب الأمانات وبعث بها إلى الجند والقواد . فلم يقبلوها وخلعوا الطاعة .
ثم جمعوا جمعاً ووجه عليهم منصور عامر بن نافع . فعقد زيادة الله لمحمد بن عبد الله بن الأغلب ، ووجه معه جيشاً كثيفاً وأوعب فيه من رجاله ومواليه . فالتقوا واقتتلوا ، فانهزم محمد ابن عبد الله وقتل جماعة من وجوه أصحابه ، منهم محمد بن