كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 6 """"""
بها عن إفريقية ، فسار وبثّ السرايا في كل وجه . وكان يؤتى بالبقر والشاء والعلف . قال : وكان ملكهم يدعى جرجير ، وسلطانه من طرابلس إلى طنجة وولايته من قبل هرقل . فلما بلغه الخبر بورود الجيوش الإسلامية ، جمع وتأهب للّقاء ، فبلغ عسكره عشرين ومائة ألف قال : ثم ذهبنا قاصدين عسكره على تعبئة ، فأقمنا أياماً تجري بيننا وبينهم الرسل : ندعوه إلى الإسلام ، وهو يستطيل ويتجبر وقال : لا أقبل هذا أبداً . فقلنا له فخراج تخرجه كل عام . فقال : لو سألتموني درهماً واحداً لم أفعل . فتأهبنا للقتال بعد الإعذار منا . فعبأ عبد الله بن سعد ميمنته وميسرته والقلب ، وفعل الروم مثل ذلك . وتلاقى الجمعان في فحص متسع يسمى بعقوبة ، بينه وبين دار ملك الروم مسيرة يوم وليلة ، وهي المدينة المسماة سبيطلة ، وكذلك مدينة قرطاجنّة ، وهي مدينة عظيمة ، شامخة البناء ، أسوارها من الرخام الأبيض ، وفيها العمد والرخام الملون ما لا يحصى .
قال : ودامت الحرب بين الفريقين وطالت ، وانقطع خبر المسلمين عن عثمان . فأنفذ عبد الله بن الزبير وصحبته اثنا عشر فارساً من قومه . فسار يجد السير حتى قدم على المسلمين فوصل ليلاً . فسروا به ووقع في العسكر ضجة ، خافت الروم منها ، وظنوا أنهم يحملون عليهم ، فباتوا بشر ليلة . وأرسل ملكهم جاسوساً يستعلم الخبر . فأعلمه أن نجدة وصلت إلى المسلمين . وكان المسلمون يقاتلون الروم في كل يوم إلى الظهر ، ثم ترجع كل طائفة إلى معسكرها وتضع الحرب أوزارها . فلما أصبح عبد الله بن الزبير ، صلى الصبح وزحف مع المسلمين وقاتل . فلقي الروم في يومهم أشد نكال . ولم ير ابن الزبير عبد الله بن سعد في الحرب فسأل عنه . فقالوا : هو في خبائه وله أيام ما خرج منه . ولم يكن ابن الزبير اجتمع به ، فمضى إليه ، وسلم عليه ، وبلغه وصية عثمان وسأله عن سبب تأخره . فقال : إن ملك الروم أمر منادياً فنادى باللغة الرومية والعربية : معاشر الروم والمسلمين : من قتل عبد الله بن سعد زوّجته ابنتي ، ووهبت له مائة ألف دينار وكانت ابنته بارعة الجمال ، تركب معه في الحرب ، وعليها أفخر ثياب ، وتحمل على رأسها مظلة من ريش الطاووس وغير خاف عنك

الصفحة 6