كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
فوجه معه خيلاً . وأمر صاحب الخيل أن ياخذ به على طريق قرنة وأن يصيره في سجنها . ففعل ذلك وحبسه بها عند حمديس بن عامر . ثم كتب عامر إلى ابنه أن يضرب عنقه ففعل . وضرب عامر عنق أخي منصور .
وصار أمر الجند إلى عامر بن نافع فظن أن الأمور تستقيم له . فكتب إله زيادة الله كتاباً يدعوه فيه إلى الطاعة ويبذل له الأمان . فكتب إليه عامر يعدد عليه مساويء أفعاله ، ويقول في آخره : ما بيني وبينك موادّة حتى تضع الحرب أوزارها ويحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين . ثم اختلف الجند على عامر ، وانتقض عليه أمره ، ووجد عليه قواد المضري ، لما صنع بمنصور وأخيه ، فنافروه وحاربوه . وخالفه عبد السلام بن المفرّج ، وكان قد استولى على باجة وبايع له جماعة من الجند . وزحف إلى عام فاقتتلوا ، فانهزم عامر ، ومضى إلى قرنة ، وتفرق شمل الجند وأمر زيادة الله يعلو .
ثم اعتل عامر فلما أيقن بالموت استدعى بنيه وقال لهم : يا بني ، ما رأيت في الخلاف خيراً . فإذا أنا مت ودفنتموني فلا تعرّجوا على شيء حتى تلحقوا بزيادة الله ، فهو من أهل بيت عفو . وأرجو أن يسركم ويقبلكم أحسن قبول . فلما مات ، فعلوا ذلك وأتوا زيادة الله . وجعل الجند يتسللون إلى زيادة الله ويستأمنون ، وهو يؤمنهم ويحسن إليهم .
وأما عبد السلام فقاتلته عساكر زيادة الله وحصروه وضايقوه فوجد ميتاً فقيل مات عطشاً . فبعثوا برأسه إلى زيادة الله .
واستقامت إفريقية وصفت بعد أن دامت الفتنة ثلاث عشرة سنة .
قال : ثم أمر زيادة الله ببناء المسجد الجامع بالقيروان وهدم ما كان بناه يزيد بن حاتم ، وذلك في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين ومائتين . وذكر أن زيادة الله قال يوماً لخاصته إني لأرجو رحمة الله ، وما أراني إلا أفوز بها إذا قدمت عليه يوم القيامة وقد عملت أربعة أشياء : بنيت المسجد الجامع بالقيروان وأنفقت عليه ستة وثمانين ألف دينار ، وبنيت قنطرة باب أبي الربيع ، وقصر المرابطين بسوسة ، ووليت القضاء أحمد بن أبي محرز .