كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
وفي أيام زيادة الله فتحت صقلية ، وذلك أنه وجه إليها أسد ابن الفرات القاضي في عشرة آلاف . فزحف إليه ملكها في مائة وخمسين ألفاً . فهزمه وفتحها . واستعمل عليها زيادة الله محمد ابن عبد الله بن الأغلب .
وكانت وفاة زيادة الله في يوم الثلاثاء لأربع عشرة خلت من شهر رجب سنة ثلاثة وعشرين ومائتين ، وهو ابن إحدى وخمسين سنة . وكانت ولايته على إفريقية إحدى وعشرين سنة وسبعة أشهر وثمانية أيام .
وكان من أفصح أهل بيته لساناً وأكثرهم بياناً ، وكان يعرب كلامه ولا يلحن من غير تشادق ولا تقعير . وكان يقول الشعر الحسن الجيد .
حكى أن رسولاً أتاه من أبي عبد الله المأمون بغير يحب . فكتب جواب الكتاب وهو سكران ، وفي آخره أبياتاً ، وهي :
أنا النار في أحجارها مستكنّة . . . فإن كنت ممن يقدح الزّند فاقدح
أنا الليث يحمى غليه بزئيره . . . فإن كنت كلباً حان يومك فانبح
أنا البحر في أمواجه وعبابه . . . فإن كنت ممن يسبح البحر فاسبح
فلما صحا بعث في طلب الرسول ففاته . فكتب كتاباً آخر فيه تلطف . فوصل الكتاب الأول والثاني . فأعرض المأمون عن الأول وأجاب عن الثاني بكل ما أحب . وله حكايات حسنة تدل على عفوه وصفحه وحلمه . فمن ذلك أنه بلغ أمّه جلاجل أن أخت عامر بن نافع قالت : والله لأجعلنّ جلاجل تطبخ لي الفول بيصارا . فلما ظفر بأنها زيادة الله بالقيروان ، أمرت جلاجل بفول فطبخ بيصارا وبعثت منه إليها مع بعض خدمها ، فوضع بين يديها ، وقالت الجارية التي أحضرته إليها : سيدتي تسلم عليك وتقول لك : قد طبخت هذا لك لأبر قسمك . فأوحشها ذلك وقالت : قولي لها : قد قدرت فافعلي ما شئت . فبلغ ذلك زيادة الله فقال لأمه : قد ساءني ما فعلت يا أم ، إن الاستطالة مع القدرة لؤم ودناءة ، وقد كان أولى بك أن تفعلي غير هذا . قالت : نعم ، سأفعل ما يرضيك ويحسن الأحدوثة عنا . وبعثت إليها بكسوة وصلة وألطاف . ورفقت بها حتى قبلت ذلك وطابت نفسها .