كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
أولاد على بن حميد الذين قهروكم واستأثروا بمال مولاكم دونكم . وأما نحن ففي الطاعة ما خلعنا منها يداً . فلما سمعوا ذلك فشلوا عن القتال .
ولما رأى محمد ما دهمه - وهو على غير استعداد - جلس في مجلس العامة . وأذن لأخيه أحمد والذين معه من الرجال بالدخول ، فدخلوا عليه . فعاتب أخاه أحمد فقال له : إن أولاد علي بن حميد كادوا الدولة وأرادوا زوال ملكك ، فقمت غضباً لك وحذراً على أيامك . فلم يجد محمد بداً من مداراته والأغضاء عما فعل . فتحالفا أن لا يغدر أحد منهما بصاحبه . واصطلحا على أني دفع محمد لأخيه أحمد أبا حميد بن علي ، وكان قد لجأ إليه في وقت قتل أخيه . فدفعه إليه على أن أحمد لا يقتله ولا يصله بمكروه . فانصرف إلى منزله .
وعظم قدر أحمد ، واشتد سلطانه ، وجعل الدواوين إلى نفسه . وصار الأمر كله له ، ولم يبق لمحمد من الإمارة إلا مجرد الاسم وعزل أحمد حجاب محمد ، وجعل على بابه حجاباً من قبله . ووكل خمسمائة من عبيده ومواليه ببابه . وعذب أبا حميد ، وأخذ أمواله ووجه به مع أبي نصر مولى إبراهيم بن الأغلب ، وأمره أن يسير به إلى طرابلس ويبعثه إلى مصر . وأسرّ إليه أنه إذا صار بقلشانة يقتله . ففعله ذلك وخنقه حتى مات . وحمله على نعش إلى قلشانة . وأحضر من شهد أنه لا أثر فيه ولا جرح وقال : إنه سقط عن الدابة فمات . قال : ولما صارت الأمور إلى أحمد مقدم نصر بن أحمد الجروي واستوزره . وكان داود بن حمزة الرادري يظن أن يكون المقدم عليه لأنه كان المدبر لهذا الأمر . ففسدت نيته وأخذ في العمل على أحمد ومكاتبة محمد ، وكان محمد قد ترك اللهو وأخذ في الحيلة والتدبير على أخيه أحمد . وكان محمد قد ولى سالم ابن غلبون الزاب . فلما كان من أمر أحمد ما كان ، خالف سالم على أحمد ، ولم يطعه وجعل محمد يبعث إلى وجوه قرابته وجنده وعبيده ويسألهم نصرته ويعدهم ويمنّيهم . فكان ممن سعى في نصرة محمد وأتقن له الأمور وأحسن التدبير أحمد بن سفيان بن سوادة . وكان يقال لأحمد : إن أخاك يعمل عليك . فلا يصدق ، وعنده أنه قد أتقن التدبير . وكان من حال محمد أنه إذا جاءه رسول من أخيه أحمد يستدعي كأساً كبيراً ويمسكه بيده ، ويحضر الرسول فيتوهم أنه يشرب . فإذا انصرف رد الكأس فلا يشربه .