كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 65 """"""
فلما كان في اليوم الذي عزم محمد فيه على الوثوب على أخيه ، بعث إلى أحمد بن سفيان . فجعل يسلك من واعده من العبيد والموالي وغيرهم حتى أدخلهم من أبواب المدينة في الأكسية . وجعلهم يحملون على رؤوسهم جرار الماء حتى اجتمع منهم قبل الزّوال ثلاثمائة رجل . فصيّرهم أحمد بن سفيان في داره وأعطاهم السلاح وكان أحمد إذا قيل له : إنك تراد ويعمل عليك . غضب على من يقول ذلك . واشتغل بالشراب كما كان أخوه في أول أمره . وكان جماعة ممن نصر محمداً واعدوه أن ينزلوا بقصر الماء ، والأمارة بينهم أن يسمعوا الطبل ويروا الشمع في أعلى القبة . وكان أحمد قد دخل الحمام في ذلك اليوم وأطال اللّبث فيه . وأتاه عثمان بن الربيع بعد الظهر ؛ فأخبره أن أخاه بريده تلك الليلة ، وأنه أعد رجالاً بقصر الماء . فلم يصدق ذلك ، ووجه خيلاً إلى قصر الماء فلم يجدوا به أحداً . وكان الموعد المغرب ، فازداد أحمد تكذيباً للأخبار وقلة الاكتراث بما يراد به .
فلما قربت صلاة المغرب ، وجه محمد خادماً له إلى جماعة رجال أخيه الذين كان قد جعلهم ببابه ، فقال : يقول لكم الأمير : إني أحببت برّكم وإكرامكم ، فاجتمعوا حتى أبعث إليكم طعاماً وشراباً . فاجتمعوا ، وبعث إليهم بطعام وشراب ، فأكلوا وشربوا حتى إذا ظنّ أن الشراب قد عمل فيهم ، أرسل الخادم إليهم وقال : يقول لكم الأمير : إني قد أحببت أن أحلّى لكم سيوفكم ، فمن كان عنده سيف فليأت به . فجعلوا يتسابقون بسيوفهم طمعاً في ذلك . فلما كان وقت المغرب وغلّقت أبواب القصر ، أتاهم عامر بن عمرون القرشي فيمن معه . فوضعوا فيهم السيوف فقتلوهم عن آخرهم .
ثم أمر بالطبل فضرب ، والشموع فأوقدت ، فأقبل أصحابه من كل ناحية إلى نصرته . وخرج أحمد بن سفيان بن سوادة فجعل يقتل من علم أنه من ناحية أحمد . وأقام القتال بين أحمد بن سفيان وأصحاب أحمد بن الأغلب بقية ليلتهم كلها . وبعث أحمد ابن سفيان إلى القيروان يستنصر بأهلها . فأقبلوا إليه في جموع عظيمة وهم ينادون بطاعة محمد . فانهزم أصحاب أحمد بن الأغلب ووضعت السيوف فيهم ، وهرب أحمد إلى داره .
وكان في حبسه خفاجة بن سفيان بن سوادة ، فأخرجه وقال له : الله الله في دمي وحرمي ، فإنها حرمك . فقال له خفاجة : حبستني ظلماً منذ سبعة أشهر . فقال : ليس هذا وقت العتاب فأغثني فقال له خافجة : أعطني فرساً وسلاحاً ففعل فركب خفاجة . وصاح به الناس : يا خفاجة ، يا ابن شيخنا ومن نكرمه ونحفظه ، إنما

الصفحة 65