كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 7 """"""
من معي ، وأكثرهم حديثوا عهد بالإسلام ، ولا آمن أن يرغّبهم ما بذل لهم جرجير فيقتلوني ، فهذا سبب تأخري . فقال له ابن الزبير : أزل هذا من نفسك ، وأمر من ينادي في عسكرك ويسمع الروم : معاشر المسلمين والروم : من قتل الملك فله ابنته ومائة ألف دينار ، وواحدة بواحدة . ففعل ذلك . فلما سمع ملك الروم النداء ، انتقل ما كان عبد الله يجده من الخوف إليه . وبقي القتال على ما كان عليه .
فعنّ لعبد الله بن الزبير رأي . فأتى بعد الله بن سعد ليلاً وقال له : إني فكّرت فيما نحن فيه فرأيت أمراً يطول والقوم في بلادهم والزيادة فيهم والنقصان فينا . وقد اتصل بي نفّذ إلى جميع نواحيه بالحشد والجمع . وقد رأيت أصحابه إذا سمعوا الأذان أغمدوا سيوفهم ورجعوا إلى مضاربهم ، وكذلك المسلمون ، جرياً على العادة . والرأي عندي أن تترك غدا إن شاء الله أبطال المسلمين في خيامهم بخيلهم وعددهم ، وتقاتل ببقايا الناس على العادة ، وتطوّل في القتال حتى تتعب القوم . فإذا انصرفوا ورجع كلّ إلى مضربه وأزال لأمه حربه ، يركب المسلمون ويحملون عليهم والقوم على غرة . فعسى الله سبحانه أن يظفرنا بهم وينصرنا عليهم ، وما النصر إلا من عند الله . فلما سمع عبد الله بن سعد ذلك ، أحضر عبد الله بن عباس وإخوته والصحابة ورؤوس القبائل ، وعرض عليهم ما أشار به ابن الزبير فاستصوبوا رأيه واستخاروا الله . وكتموا أمرهم وباتوا على تعبئة . ولجئوا إلى الله تعالى وسمحوا بنفوسهم في إعزاز دين الله وإظهار كلمته . وأصبح أبطال الإسلام في خيامهم ، وخيولهم قائمة معهم في الخيام . وخرج لفيف الناس إلى القتال ، ومعهم عبد الله بن سعد وابن الزبير ، فقاتلوا أشد قتال وكان يوماً حاراً فلقي الفريقان فيه التعب العظيم . وركب ملك الروم ومعه الصليب ، وكان متوجاً عندهم ، عظيم القدر فيهم . وحرض أصحابه على القتال . فاشتد الأمر في القتال حتى أذّن الظهر فهم الروم بالانصراف جرياً على العادة . فداوم ابن الزبير القتال ساعة أخرى . فاشتد الحر وعظم الخطب حتى لم يبق لأحد من الفريقين طاقة بحمل السلاح فضلاً عن القتال به . فعند ذلك رجعوا إلى خيامهم ، ووضعوا أسلحتهم ، وسيّبوا خيولهم وألقوا أنفسهم على فرشهم .
فاستنهض عبد الله أبطال المسلمين . فلبسوا دروعهم وركبوا خيولهم في خيامهم . وتقدم عبد الله بن الزبير في زي رسول ، وقد لبس ثوباً فوق درعه . وقال :

الصفحة 7