كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
فقتلوا حتى احمر لون الماء من دمائهم . فقال إبراهيم لو كان هذا القتل لله لكان إسرافاً . فقال له بعض رجاله : ليدع الأمير بعض من أحب من مشايخهم ويسأله عن اعتقاده . فإذا سأله علم أن ذلك لله . فأحضر بعضهم ، فقال : ما تقولون في علي بن أبي طالب ؟ فقال : نقول : إنه كان كافراً ، في النار من لم يكفره . فقال إبراهيم : فجميعكم على هذا الرأي ؟ قالوا : نعم . قال : الآن طابت نفسي على قتلكم . وجلس على كرسي وبيده حربة . فكان يقدّم إليه الرجل منهم فيقد أضلاعه من تحت منكبيه ثم يطعنه فيصيب قلبه حتى قتل منهم خمسمائة رجل بيده في وقت واحد .
ثم تمادى إبراهيم بعد فراغه من أهل فوسة إلى طرابلس . وكان محمد بن زيادة الله عامله عليها ، وكان إبراهيم كثير الحسد له من صغره على علمه وأدبه . فتله إبراهيم وصلبه .
ثم سار من طرابلس حتى بلغ عين تاورغا . فرجع كثير ممن معه إلى إفريقية ، ولم يبق معه إلا أقل من النصف . فلما رأى ذلك انصرف إلى رقادة ثم إلى تونس .
وفي سنة أربع وثمانين ، جهز إبراهيم ابنه أبا العباس إلى صقلية لقتال أهلها . فسار إليها في جمادى الآخرة . فقاتله أهلها قتالاً شديداً ثم انهزموا . ودخل المدينة بالسيف فقتل خلقاً عظيماً . ثم عفا عن الناس وأمنهم . ثم ركب حتى جاز المجاز ، وأوقع بالروم فقتل المقاتلة وسبي الذرية . ورجع إلى صقلية وقد أثخن في الروم .
ذكر اعتزال إبراهيم الملك وزهده وغزوه ووفاته
وكان سبب ذلك أن رسول الخليفة المعتضد بالله العباسي قدم عليه في سنة تسع وثمانين ومائتين من بغداد إلى تونس . فخرج إبراهيم إليه وضربت له فازة سوداء في سبخة تونس . فخلا بالرسول وكان بينهما محاورة ولم يأته بكتاب . وكان المعتضد قد أرسله على غضب وسخط لشكوى أهل تونس منه ، وصياحهم على المعتضد ، ووصفهم له ما صنع بهم إبراهيم ، وقالوا : أهدي إليك نساءنا وبناتنا . فغضب المعتضد ، وأمره باللحاق به وأن يعتزل عن إفريقية . وولى عليها ابنه أبا العباس .
فكره إبراهيم المسير إلى المعتضد . وأظهر التوبة ، ورفض الملك ، ولبس الخشن من الثياب . وأمر بإخراج من في سجونه . وقطع القبالات . وبعث إلى ابنه