كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
وكان لإبراهيم محاسن ومساوىء ذكرها ابن الرقيق ، ونحن نذكر لمعة من محاسن أفعاله ومساوئها ، تدل على ما كان عليه . ونترك الإطالة جرياً على القاعدة في الاختصار .
قال : كان على حالة محمودة من الحزم والضبط للأمور . وأقام سبع سنين من ولايته ، وهو على ما كان عليه أسلافه من حسن السيرة وجميل الأفعال ، إلى أن خرج لمحاربة العباس بن طولون . فلما كُفيَ مؤنته تغيرت حاله وحرص على جمع الأموال . ثم اشتد أمره فأخذ في قتل أصحابه وكفاته وحجابه . ثم قتل ابنه وبناته وأتى بأمور لم يأت غيره بمثلها .
فمن محاسن أعماله أنه كان أنصف الملوك للرعية ، لا يرد عنه متظلم يأتيه . وكان يجلس بعد صلاة الجمعة ، وينادى مناديه : من له مظلمة فربما لم يأته أحد لكفّ بعض الناس عن بعض . وكان يقصد ذوي الأقدار والأموال فيقمعهم ويقول : لا ينبغي أن يظلم إلا الملك ، لأن هؤلاء إذا أحسوا من أنفسهم قوة بما عندهم من الأموال لم يؤمن شرّهم وبطرهم . فإذا كف الملك عنهم وأمنوا دعاهم ذلك إلى منازعته وإعمال الحيلة عليه . وأما الرعية فهم مادة الملك ، فإن أباح ظلمهم لم يصل إليه نفعهم ، ولحقه الضرر ، وصار النفع لغيره .
ووقف له رجلان من أهل القيروان ، وهو بالمقصورة في جامع رقادة فأدناهما إليه وسألهما عن حالهما فقالا له : كنا شريكين للسيدة . يعنيان أمه في جمال وغيرها . فاحتبست لنا ستمائة دينار . فأرسل إليها خادماً فقالت : نعم هو كما ذكرا إلا أن بيني وبينهما حساباً . وإنما احتسبت هذا المال حتى أحاسبهما . فإن بقي عليهما شيء وإلا دفعت مالهما إليهما . فقال للخادم : ارجع إليها وقل لها : والله لئن لم توجهي بالمال وإلا أوقفتك الساعة معهما بين يدي عيسى بن مسكين . فوجهت بالمال إليه . فدفعه إليهما وقال : أما أنا فقد أنصفتكما فيما ادعيتما ، فاذهبا واقطعا حسابها وإلا فأنتما أعلم .
وكان إذا تبين له الظلم قبل أحد من أهل بيته وولده بالغ في عقوبته والإنصاف منه . فكان ولده ورجاله يوم الخميس يأمرون عبيدهم ورجالهم أن يطوفوا في الأزقة والفنادق ، ويسألوا : هل أتي شاك أو متظلّم من عبد أو وكيل ؟ فإذا وجدوا أحداً أتوا به إلى دار ودل الأمير أو قرابته فينصفه .
ومن مساوىء أفعاله أنه أسرف في سفك دماء أصحابه وحجابه حتى يقال إنه افتقد منديلاً كان يمسح به فمه من شرب النبيذ - وكان قد سقط من يد بعض جواريه