كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
فأصابه خادم - فقتله وقتل بسببه ثلاثمائة خادم . وهذا غاية في الجور ونهاية في الظلم .
وقتل ابنه المكني بأبي الأغلب لظنّ ظنّه به ، فضرب عنقه بين يديه صبراً . وقتل ثمانية إخوة كانوا له رجالاً ، ضربت أعناقهم بين يديه صبراً . وكان أحدهم ثقيل البدن فسأله واسترحمه . فقال : لا يجوز أن تخرج عن حكم الجماعة . وقتله . ثم قتل بناته . وأتي بأمور لم يأت بها أحد قبله ولم يتقدمه إلى مثلها ملك ولا أمير . فكانت أمه إذا ولد له بانة من أحد جواريه أخفتها عنه وربتها حتى اجتمع عندها منهن ست عشرة جارية . فقالت له ذات يوم ، وقد رأت منه طيب نفس : يا سيدي ، قد ربيت لك وصائف ملاحاً ، وأحب أن تراهن . فقال : نعم ، قرّبيهن مني . فأدخلتهن إليه فاستحسنهن . فقالت : هذه ابنتك من جاريتك فلانة ، وهذه من فلانة . حتى عدّتهن عليه . فلما خرج قال لخادم له أسود كان سيافاً يقال له ميمون : امض فجئني برؤوسهن . فتوقف استعظاماً منه لذلك . فسبّه وقال : امض وإلا قدمتك قبلهن . فمضى إليهن . فجعلن يصحن ويبكين ويسترحمن ، فلم يغن ذلك عنهن شيئاً . وأخذ رؤوسهن وجاء بهن معلقة بشعورهن ، فطرحها بين يديه .
ومن قبيح أفعاله ما كان عليه من أمر الأحداث ، وكان له نيّف وستون حدثاً . وقد رتب لكل واحد منهم مرقداً ولحافاً . فإذا جاء وقت النوم ، طاف عليهم الموكل بهم فسقى كل واحد منهم ثلاثة أرطال ، وينام كل واحد منهم في مكانه . فبلغه أن بعضهم يمشي في الليل إلى بعض . فجلس بباب القصر على كرسي وأمر بإحضارهم .
فبعضهم أقر وبعضهم جحد ، حتى مر به صبي كان يحبه فقال : والله يا مولاي ما كان من هذا شيء . فضربه بعمود من حديد فطار دماغه . وأمر بتنور فأحمى . فكان يطرح فيه كل يوم خمسة أو ستة حتى أفناهم . وأدخل عدداً منهم الحمام وأغلق عليهم البيت السخن ، فماتوا من ساعتهم .
وقتل بناته وجواريه بأنواع من العذاب : منهن من بني عليها البناء حتى ماتت جوعاً وعطشاً ، ومنهن من أمر بخنقها ، ومنهن من ذبحها ، حتى لم يبق في قصره أحد . فدخل على أمه في بعض الأيام فقامت إليه ورحبت به . . فقال لها : إني أحب طعامك . فسرت بذلك وأحضرت الطعام . فأكل وشرب وانبسط . فلما رأت سروره قالت له : إن عندي وصيفتين ربيتهما لك وادخرتهما لمسرتك . وقد طال عهدك بالأنس بعد قتل الجواري وهما يحسنان القراءة بالألحان . فهل لك أن أحضرهما للقراءة بين يديك ؟ . قال : افعلي . فأمرت بإحضارهما فأحضرتا . وأمرتهما بالقراءة