كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 78 """"""
فقرأتا أحسن قراءة . ثم قالت له أمه : هل لك أن ينشداك الشعر ؟ قال : نعم . فغنتا بالعود والطنبور أبدع غناء حتى عمل فيه الشراب وأرد الأنصراف . فقالت له : هل لك أن تمشيا خلفك حتى تصل إلى مكانك ويقفا على رأسك ويؤنساك ، فقد طال عهدك بالأنس . قال : نعم فمضى وهما خلفه . فلم يكن إلا أقل من ساعة حتى أقبل خادم وعلى رأسه بطبق وعليه منديل . فظنت أنه وجه إليها بهدية . فوضع الخادم الطبق بين يديها ورفع المنديل ، وإذا برأسيهما . فصرخت أمه وغشي عليها . وأفاقت بعد ساعة طويلة ، وهي تدعو عليه وتلعنه . وأخباره في أمثال هذا طويلة .
وفي أيامه ظهر أبو عبد الله الشيعي الداعي ، وكان من أمره ما نذكره إن شاء الله عز وجل .
ذكر ولاية عبد الله بن إبراهيم ابن أحمد بن محمد بن الأغلب
ولي الأمر كما قدمناه في حياة أبيه ثم استقل بالأمر بعد وفاته . وكان على خوف شديد من أبيه لسوء أخلاقه وجرأته على قتل من قرب منه أو بعد . فكان يظهر له من الطاعة والتذلل أمراً عظيماً . فكان إيراهيم يكرمه ويفضله على سائر أولاده .
وكانت ولايته بعد أبيه في يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين . فجلس للناس للمظالم . ولبس الصوف ، وأظهر العدل والإحسان والإنصاف . ولم يسكن قصر أبيه . ولكنه اشترى داراً مبنية بالطوب فسكنها إلى أن اشترى داره التي عرف بها .
وخاف من قيام ابنه زيادة الله عليه فحبسه هو وخلقاً من رجاله .
وولي أبا العباس محمد بن الأسود الصديني قضاء القيروان والأحكام والنظر في العمال وجباة الأموال . فكان يأمر بالمعروف وينهي عن المكر . وكان قوياً في قضائه ، شديداً على رجال السلطان ، رفيقاً بالضعفاء والمظلومين . ولم يكن واسع العلم ، فكان يشاور العلماء ، فلا يقطع حكماً إلا برأي ابن عبدون القاضي . وكان يظهر القول بخلق القرآن فكرهه العامة .

الصفحة 78