كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 8 """"""
إذا رأيتموني قد قربت من خيام الروم فاحملوا حملة رجل واحد . فلما قرب من الخيام كبر المسلمون وهلّلوا ، وحملوا فأعجلوا الروم عن لبس دروعهم أو ركوب خيولهم . فانهزمت الروم ، وقتل ملكهم ، وقتل منهم ما الإسلام يحصى كثرة وهرب من سلم منهم إلى المدينة ، وغنم المسلمون ما في معسكرهم . وأسرت ابنة الملك وأتي بها إلى عبد الله بن سعد . فسألها عن أبيها . قالت : قتل . قال : أتعرفين قاتله ؟ قالت : نعم ، إذا رأتيه عرفته . وكان كثير من المسلمين ادعوا قتله . فعرض عليها من ادعى قتله . فقالت : ما من هؤلاء من قتله . فأحضر ابن الزبير . فلما أقبل ، قالت : هذا قاتل أبي . فقال له ابن سعد : ما منعك أن تعلمنا بذلك لنفي لك بما شرطناه ؟ فقال أصلحك الله ما قتلته لما شرطت ، والذي قتلته له يعلم ويجازى عليه أفضل من جزائك ، ولا حاجة لي في غير ذلك . فنفّله ابن سعد ابنة الملك ، فيقال إن ابن الزبير اتخذها أم ولد .
ثم نزل المسلمون على المدينة ، وحاصروها حصاراً شديداً حتى فتحها الله عليهم . فأصابوا فيها خلقاً كثيراً ، وأكثر أموالهم الذهب والفضة . فجمع عبد الله بن سعد الغنائم وقسمها بعد أن خمسها . فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار وسهم الراجل ألف دينار .
وبثّ السرايا والغارات من مدينة سبيلطة فبلغت خيوله إلى قصور قفصة . فسبوا وغنموا . وجازوا إلى مرمجنة . فأذلت تلك الوقعة من بقي من الروم . وأصابهم رعب شديد فلجئوا إلى الحصون والقلاع . واجتمع أكثرهم بفحص الأجم حول الحصن ، وهو من أعظم حصون إفريقية . وراسلوا عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطار ذهباً على أن يكفّ عنهم ويخرج من بلادهم . فقبل ذلك منهم بعد امتناع . وقيل : إنه صالحهم على ألفي ألف وخمسمائة ألف . وقبض المال . وكان في شرط صلحهم أن ما أصاب المسلمون قبل الصلح فهو لهم ، وما أصابوه بعد التّرداد ردوه عليهم .
ودعا عبد الله بن سعد عبد الله بن الزبير وقال : ما أحد أحقّ بالبشارة منك ، فامض وبشّر عثمان والمسلمين بما أفاء الله تعالى عليهم . فتوجه عبد الله يجدّ

الصفحة 8