كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 80 """"""
وفي أيامه قوي أمر أبي عبد الله الشيعي ، وكان قد ظهر في أيام جده إبراهيم بن أحمد ، فاستفحل الآن أمره . وكثرت أتباعه ، واشتدت وطأته . ففارق زيادة الله تونس إلى رقادة ونزلها خوفاً من الشيعي أن يخالفه إليها . ولما نزلها زيادة الله عمر سورها ، فلم يغن ذلك عنه شيئاً لأن الشيعي لما قوي أمره بكتامة ، انضمت إليه القبائل واجتمعت له الرجال وهزم جيوش زيادة الله مرة بعد أخرى وقتل جموعه . واستولى على البلاد : فبدأ يميلة ثم بمدينة سطيف ثم غلب على البلاد والمدن بلداً بلداً ومدينة مدينة ، إلى أن غلب على مدينة الأربس ، وهزم إبراهيم بن أبي الأغلب . وكان زيادة الله قد جهزه لقتاله في جيوش عظيمة ، وهو آخر جيش جهزه زيادة الله . فهزمه الشيعي ، وذلك في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ومائتين ، على ما نذكره إن شاء الله مبيناً في أخبار الدولة العبيدية المنسوبة للعلوية .
ذكر انهزام زيادة الله إلى المشرق وانقراض دولة بني الأغلب
قال : ولما بلغت هزيمة إبراهيم بن الأغلب زيادة الله - وكان هذا الجمع آخر جمع جمعه - فتّ ذلك في عضده . وكان برقادة فأظهر أنه أتاه الفتح وأرسل إلى السجون فأتى برجال منها . فضرب أعناقهم وأمر أن يطاف برؤوسهم في القيروان والقصر القديم .
وأخذ في حمل أثقاله وأمواله . وأرسل إلى خصاة رجاله وأهل بيته يعرّفهم الحال وأنذرهم بالخروج معه . فأشار عليه وزيره ابن الصائغ بالمقام . وقال له : " العساكر تجتمع إليك ، فأخرج العطاء يأتيك الناس . والشيعي لا يجسر أن يقدم عليك " . وشجعه وقواه وذكّره بحروب جده زيادة الله ، فلم يرجع إلى قوله . فلما ألح عليه ابن الصائع ، قال له زيادة الله : هذا يصدق ما قيل عنك : إنك كاتبت الشيعي وأردت أن تمكنه مني " . فتبرأ من ذلك وأمسك عنه .
وأخذ زيادة الله في شد الأموال والجواهر والسلاح وما خف من الأمتعة النفيسة ، وفعل رجاله كذلك واتعدوا إلى الليل . ثم انتخب زيادة الله من عبيده الصقالبة

الصفحة 80