كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
ألف خادم وجعل على وسط كل خادم ألف دينار . وحمل من يعز عليه من جواريه وأمهات أولاده .
ولما عزم على الرحيل ، قامت إليه جارية من قيانه ، وأخذت العود واندفعت تغني :
لم أنس يوم الرحيل موقفها . . . وجفنها في دموعها غرق
وقولها ، والركاب سائرة . . . تتركني سيدي وتنطلق
فدمعت عيناه وأمر بحط حمل مال عن بغل وحملها عليه . وكانت الهزيمة بلغته بعد صلاة العصر ، فما أذن مؤذن العشاء الآخرة إلا وقد رحل من رقادة . واتبعه الناس قوماً بعد قوم يهتدون بالمشاعل . وأخذ بطريق مصر .
وخرج عبد الله بن الصائغ بعده بثقله وحشمه وأمواله . فقصد جهة لمطة ، وقد كان أعد هناك مركباً لنفسه ، ليركب فيه إلى صقلية ويفارق زيادة الله خوفاً على نفسه من رجاله أن يحملوه على قتله ، لأنه كان معادياً لأكثرهم ورموه بمكاتبة الشيعي ؛ ولم يكن كذلك .
قال : ولما علم الناس بهروب زيادة الله ، أسرعوا إلى رقادة ، وانتهبوا ما فيها ، واحتووا على قصور زيادة الله ، حتى صاروا إلى البحث عن المطامير وانتزاع حدي الأبواب وحمل الأسرّة ونقل الماعنة . وأقاموا على ذلك ستة أيام ، حتى تراءت خيل الشيعي . وتخلف عن زيادة الله كثير من رجاله وعبيده وأصحاب الدواوين ، فاقترقوا في البلدان .
وأما إبراهيم بن أبي الأغلب ، فإنه وافى القيروان في جماعة من انضم إليه . فلما علموا بهروب زيادة الله ، تفرقوا عنه وقصد كل قوم إلى ناحيتهم . وقصد إبراهيم دار الإمارة فنزل بها . ونادى مناديه بالأمان ، وسكّن الناس . وأرسل إلى الفقهاء ووجوه أهل القيروان ، فاجتمع على بابه خلق كثير وسلموا عليه بالإمارة . فذكر لهم أحوال زيادة الله ، وما كان عليه من سوء الحال ، وأن ذلك أخل بدولته وأجلب عدوه وسلبه ملكه . وذكر الشيعي وكتامة وشنّع عليهم أقبح الأشانيع . وطلب من الناس الإعانة . وقال : إنما