كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
فلما وصل إلى مصر شقها متقلداً بسيفين . فأخرجه النوشري إلى ظاهرها وقال له : " تكون متبرّزاً حتى تأتيك الرجال والأموال " . وجعل يمطله ويسوّف به ويتحفه بالهدايا والخمور . فأقام على اتباع شهواته والانهماك على لذاته حتى أنفق ما كان معه وباع السلاح والعدة . ثم اعتل فيقال إن بعض عبيده سمع في طعام فسقط شعر لحيته ورأسه . فانصرف إلى البيت المقدس فمات هناك . وتفرق آل الأغلب وانقرضت دولتهم بخروج زيادة الله من الملك .
وكانت مدة ولاية زيادة الله منذ أفضى إليه الأمر بعد أبيه وإلى أن هرب إلى رقادة خمس سنين وعشرة أشهر . وانقرضت دولتهم كأن لم تكن . فسبحان من لا يزول ملكه ولا ينقضي دوامه . وبانقراض دولة بني الأغلب زال ملك بني مدرار بسجلماسة ، وكان له مائة سنة وستون سنة ، وزال ملك بني رستم من تيهرت ، وله مائة سنة وثلاثون سنة .
ذكر أخبار من ملك المغرب بعد الأغلبة إلى أن قامت دولة بني زيري بن مناد
نحن نذكر ذلك في هذا الموضع على سبيل التنبيه عليه لا الاستيعاب له . وسنذكره إن شاء الله تعالى مبيّناً مستوفى في أخبار الدولة العبيدية مع ملوك مصر .
فنقول ها هنا : لما قام أبو عبد الله الشيعي على دولة بني الأغلب ، وهزم جيوشهم ، واستولى على بلاد المغرب وانتزعها من زيادة الله بن أبي العباس ، وظهر أبو محمد عبيد الله المنعوت بالمهدي - وهو الذي كان الشيعي يدعو له - فانخلع له الشيعي من الأمر كله ، وسلمه إليه في سنة ست وتسعين ومائتين . فلما استقامت الأمور للمهدي ، وتوطّد ملكه ، واشتدت شوكته ، قتل أبا عبد الله الشيعي وأخاه ، واستقل بالأمر . وبني مدينة المهدية وانتقل إليها . ودامت أيامه إلى أن توفي النصف من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة .