كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
فإنه على ذلك ، إذ أتاه آت فقال له : " إن في المسجد رجلاً وصل في هذه الساعة ، وهو يذكر أنه جاء من الحج " . وكان وقت صلاة الظهر . فخرج مناد إلى المسجد ، فصلى وسلم على الرجل ، وسأله عن حاله ومن يكون ومن أين أقبل فقال : " إنه من أهل المغرب ، وإنه انصرف من الحج فخرج عليه لصوص ، وأخذوا ما كان معه فانقطع عن أصحابه ، ووصل إلى إفريقية فسمع بمناد وما يفعل مع أبناء السبيل ، فقصده ليعينه على الوصول إلى أهله " . فقال له مناد : قد وصلت فأبشر بالخير إن شاء الله . ومضى به مناد إلى منزله ، فأكل ونام . وأمر مناد بشاة فذبحت وعمل طعام ثان . وأيقظ الرجل وأتي بالطعام فأكل منه . ونظر إلى كتف الشاة فأخذه وقلبه ونظر فيه وإلى مناد ، وأقبل يتعجب . فقال له مناد : لأي شيء تنظر في الكتف وتنظر إلي ؟ . قال : لا لشيء فعزم مناد عليه أن يخبره ممّ تعجّبه . فقال : ألك امرأة حامل ؟ . قال : بلى . قال : فلك منها أولاد ؟ قال : لا ولكن من غيرها . قال : فاعرضهم علي . فعرضهم مناد عليه ، فقال : ألك غير هؤلاء ؟ . قال : ليس لي ذكر إلا من رأيت . قال : احتفظ بالمرأة الحامل . فو الله ، لتلدنّ ولداً يملك المغرب جميعه ، ويملك بنوه من بعده . فقال له مناد : والله ، ما زلنا نتوكّف زمان هذا القائم منا ، رواية عندنا عن أسلافنا . وكنا لا نعلم من أي فخذ من أفخاذنا يكون . والآن فقد أنبأتني بنبأ ما كنا ننتظر من هذا القائم . قال : وأكرم مناد الرجل وصرفه .
ذكر أخبار زيري بن مناد
قال : ووضعت زوجة مناد حملها ، فجاء ذكراً فسماه أبوه زيري . فخرج من أجمل مولود رآه الناس ، وكذلك كان أولاده يضرب بجمالهم المثل في المغرب فيقال : " لو أنك من بني مناد " .
فلما صار له من العمر عشر سنين ، كان من رآه يظنه أنه ابن عشرين سنة لبهائه . وكانت الصبيان يدورون حوله ، ويدعونه بالسلطان ، ويركبون العيدان يتشبهون بالعساكر . ويأمرهم بالقتال بين يديه ، يغري بعضهم ببعض . ويأتي بهم إلى أمه فتصنع لهم الطعام . فيقف على رؤوسهم ويطعمهم ولا يأكل .
فلما تكامل شبابه وقوي أمره ، جمع إليه جماعة من بني عمه ومن كان له نجدة . فكان يشن بهم الغارات على القبائل من زناتة فيقتل ويسبي ويقسم على