كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 89 """"""
لم يكن عليها سور لاستغنت بعلوها عن السور . وفي وسطها عينان تجريان بماء عذب غزير . وامتلأت البلد بالعملاء والفقهاء والتجار . وتسامع الناس بها . ولم يكن الناس إذ يتعاملون بالذهب والفضة وإنما بالبعير والبقرة والشاة ، فضرب زيري السكة وبسط العطاء في الجند ، وجعل لهم الأرزاق . فكثرت الدنانير والدراهم في أيدي الناس . واطمأنت نفوس أهل البادية للحرث والزراعة . وصانهم زيري مما كان ينالهم من زناتة . وتمكنت العدواة بين صنهاجة وزناتة .
ثم خرج زيري إلى المغرب . وولي أخاه ماكسن بن مناد على أشير . فلما وصل إلى جراوة ، خرج إلأيه صاحبها موسى بن أبي العافية ، وكان واليا عليها لعبد الرحمن بن محمد الأموي صاحب قركبة ، بهدية سنية وجوار وغير ذلك . وقال له : يا مولاي ، إنما استعملت نفسي لبني أمية لأرهب بهم على زناتة ، وإذ قد أتاني الله بك وجمع بيني وبينك فأنا عبدك ، ومنقطع إليك ، وغوثك . أنت مني قريب ، وسيف قريب مني أمنع من سيف بعيد . فقربه زيري وأدناه وقال له : اكتب إلى بما يعن لك . فأنا أمدك بالعساكر متى أردت . فشكا إلأيه من غمارة وقال : إنهم قوم على غير مذهب يبيحون المحارم . وقام فيهم رجل يدعي النبوة ، وسن سننا من المنكرات . فرحل ويري إلى غمارة وصحبة موسى ، فأوقع بهم . واخذ الذي يدعي النبوة فوصل به إلى أشير . وجمع عليه الفقهاء فقالوا له : إن كتب نبيا فما علامة نبوتك ؟ فقال : اسمي في القرآن قالوا : وما اسمك ؟ قال : اسمي حم ، واسم أبي من الله ، وفي القرآن " حم ، تنزيل الكتب من الله العزيز الحكيم " فأباحوا قتله فقتل .
قال : واتصلت المودة بين زيري والقائم بأمر الله ، وسبب ذلك أن أبا يزيد لما حاصر المهدية ومنع الميرة عنها ، كتب القائم إلى زيري يعلمه ما الناس فيه من الجهد والغلاء . فبعث إليه زيري بألف حمل حنطة . وأخرج معها مائتي فارس من صنهاجة خمسمائة من عبيده . فلما وصل ذلك إلى المهدية ، بعث القائم له هدية لم يسمع بمثلها كسا جليلة وخيل مسومة بسروج محلاة .

الصفحة 89