كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
أميراً على الزاب كله ، وأبوه هو الذي بني المسيلة . وكبر جعفر وشمخ فكان ملكاً جليلاً . وكان في طاعة المعز بن المنصور ، وبينه وبين زيري ضغائن في النفوس وعداوة في الصدور . ثم انفق أن المعز لدين الله أمر ببناء دار ابن رباح ، وهي المعروفة في القيروان بدار الإمارة . فشاع عند الناس أنها بنيت لجعفر بن علي ، وأنه يعطي ولاية إفريقية ، وأن المغرب كله يعطي لزيري . فعظم ذلك على جعفر بن علي وأراد أن لا يكون لأحد معه في المغرب ولاية . فأنفذ المعز لدين الله إليه يستدعيه ، فلم يأت ولم يمتنع . فأرسل إليه ثانية فرجاً الصلبي . فلما بقي بين فرج وجعفر مقدار مرحلة ، وكان في المسيلة فخرج منها وأظهر المسير إلى المعز . ثم مال بعسكره ومعه السلاح والأموال ومضى إلى زناتة . وخلع الطاعة ، وأظهر أن الذي حمله على ذلك عداوة زيري بن مناد لأنه كان يؤذيه في أعماله . ووصل فرج الصلبي إلى المسيلة ، فأخبروه بخبر جعفر .
قال : ولما وصل جعفر إلى زناتة ، قبلوه أحسن قبول ، وقدموه على أنفسهم . فبلغ الخبر زيري ، فبادر بالخروج إلى جعفر . وزحف إليه في عسكر عظيم من صنهاجة وغيرها ، وذلك في شهر رمضان من السنة . وزحف جعفر قال : يزناتة والتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً . فكبا بزيري فرسه فسقط إلى الأرض . وكانت جولة عظيمة ، وقطعت قدامه خمسمائة يمين ثم قتل . وبعث جعفر بن علي أخا يحيى إلى الحكم صاحب الأندلس يبشره بقتل زيري . ثم أحسن جعفر أن زناتة يريدون الغدر به وأنهم ندموا على قتل زيري ، فاحتال لنفسه ودخل الأندلس .
قال : وكان زيري حسن السيرة في الرعية والتجار . وكان له آشير التي بناها ، وأعطاه لمنصور تاهرت وأعمالها وباغاية وأعمالها . وكان شديداً على البربر . وأقام على ذلك ستا وعشرين سنة . ورزق من الأولاد ما يزيد على المائة ، كلهم أنجاد فرسان كرماء كان يكتفي بهم قال : يبعض حروبه .
ذكر أخبار أبي الفتوح يوسف بلكين ابن زيري بن مناد
ولي الرئاسة على صنهاجة بعد مقتل أبيه . فكان أول ما بدأ به أنه - لما جاءه الخبر بقتل أبيه وهو بآشير - جمع وحشد . ونهض لطلب دم أبيه ، فاجتمع له خلق كثير . فقال : " لا يخرج معي أحد ممن حضر مقتل واليد " فلم يخرج معه منهم غير ثلاثة رجال . ومضى مسرعاً حتى لحق بزناتة . فجرت بينه وبينهم حروب صبرت فيها