كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 94 """"""
إليهم فهربوا بين يديه . فحصر تلمسان مدة فنزلوا على حكمه . فعفا عنهم من القتل ، ونقلهم إلى آشير ، فبنوا بقربها مدينة سموها بلنسان .
ذكر ولاية عبد الله بن محمد الكاتب
كان سبب ولايته أن يوسف كان قد ولي جعفر بن يموت مدينة القيروان وصبرة ، وجعل معه خيلاً كثيرة ، عند مسيره إلى بلاد المغرب في شهر ربيع الأول . فمات في جمادى الآخرة . فكتب ابن القديم إلى أبي الفتوح بموته ، ويسأله أن يرسل إليه بدلاً منه يعاونه على أمور البلد . فاستعمل عبد الله على ذلك . فأبى عليه وامتنع واستعفى مرة بعد أخرى . فجمع يوسف حبوس بن زيري ، وكرامة بن إبراهيم ، وكباب بن زيري ، وخلوف بن أبي محمد . وأحضر عبد الله وقال لأولئك : " ما جزاء من عاند أمري ، وخالف رأيي ومرادي ، ولم يعبأ بما كلفته ؟ قالوا : القتل ، ونحن نتولى قتله " . فقال : كاتبي هذا أمرته بالرجوع إلى إفريقية إذ لا ينوب عني أحد غيره فامتنع . فقالوا له : إن لم ترجع وإلا قتلناك . فرجع كارهاً . وعبد الله هذا من بني الأغلب ، كان أبوه محمد قد هرب إلى نفزاوة فولد بها عبد الله . فرباه خاله صالح وتعلم الخط والترسّل . فاستكتبه زيري وهو صبي شاب . ثم استكتبه بعده أبو الفتوح ، فحظي عنده . وكان فصيحاً بليغاً ، عالماً بلغة العرب ولسان البربر .
قال : فلما وصل عبد الله إلى القيروان ، تلقاه ابن القديم ، وترجّل كل منهما لصاحبه ، وتعانقا ، واتفقا وصارت كلمتهما واحدة . ثم وقع بينهما بعد ذلك ، وكانت فتنة عظيمة بالقيروان يطول شرحها ، انتصر فيها عبد الله وقبض على ابن القديم ، وأرسله إلى الأمير أبي الفتوح ، فحبسه حتى مات .
وكانت ولاية ابن القديم سنتين وشهراً ونصفاً . ثم توفي في الاعتقال يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ست وستين وثلاثمائة . واستقل عبد الله بن محمد الكاتب وحده لثمان مضين من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين وثلاثمائة .
ذكر أخبار خلف بن خير
قال : وفي سنة أربع وستين وثلاثمائة صعد خلف بن خير من بني هراش إلى قلعة منيعة من ناحية بلده . واجتمع إليه خلق عظيم من سائر قبائل البربر . وخرج إليه

الصفحة 94