كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
لصاحب الزنج ، كان عملها في نهر أبي الخصيب دون الجسرين ، اللذين كان اتخذهما على النهر ، وفرق أصحابه من الجهات ، فعجل نصير فدخل في أول المد في عدة من شذواته ، فحملها الماء فألصقها بالقنطرة ، ودخلت عدة من شذوات الموفق مع غلمانه ، ولم يأمرهم بالدخول فضلت شذاوات نصير ولم يبق للملاحين فيها عمل ، ورأى الزنج ذلك فاجتمعوا على جانبي النهر ، وألقى الملاحون أنفسهم في الماء خوفاً من الزنج ، ودخل الزنج الشذاوات فقتلوا بعض المقاتلة ، وغرق أكثرهم ، وصابرهم نصير حتى خاف الأسر ، فقذف بنفسه في الماء فغرق ، وأقام الموفق يومه ذلك يحاربهم وينهبهم ويحرق منازلهم ، ولم يزل يومه مستعلياً عليهم ، وكان سليمان بن جامع ذلك اليوم من أشد الناس قتالاً لأصحاب الموفق ، وثبت مكانه حتى خرج عليه كمين للموفق فانهزم أصحابه ، وجرح سليمان جراحه في ساقه ، فسقط لوجهه في مكان كان به حريق وفيه بعض الجمر فاحترق بعض جسده ، وحمله بعد أن كاد يؤسر ، وانصرف الموفق سالماً ظافراً ، وأصاب الموفق مرض المفاصل فبقي به شعبان وشهر رمضان وأياماً من شوال ، وأمسك عن حرب الزنج ثم بريء وتماثل ، فأمر بإعداد آلة الحرب .
ذكر إحراق قنطرة صاحب الزنج
قال : ولما اشتغل الموفق بعلته أعاد صاحب الزنج القنطرة التي غرق عندها نصير ، وزاد فيها وأحكمها ونصب دونها أدقال ساج ، وألبسها الحديد وسكر أمامها سكراً من حجارة ، ليضيق المدخل على الشذا وتحتد جرية الماء في النهر ، فندب الموفق أصحابه ، وندب طائفة من شرقي نهر أبي الخصيب وطائفة من غربيه ، وأرسل النجارين والفعلة لقطع القنطرة وما جعل أمامها ، وأمر بسفن مملوءة قصباً أن يصب عليها النفط ، وتدخل النهر ويلقى فيها النار لتحرق الجسر ، وفرق جنده على أصحاب صاحب الزنج ، ليمنعوهم من معاونة من عند القنطرة ، فسار الناس إلى ما أمرهم به ، وذلك في عاشر شوال ، وتقدمت الطائفتان إلى الجسر فلقيهما أنكلاى ابن صاحب الزنج وعلي بن أبان وسليمان بن جامع ، واشتبكت الحرب ودامت وحامى أولئك عن القنطرة ، لعلمهم بما عليهم في قطعها من الضرر ، ودامت الحرب على القنطرة إلى العصر ، ثم إن غلمان الموفق أزالوا الزنج عن القنطرة ، وقطعها النجارون ونقضوها وما كان عمل من الأدقال الساج ، وكان قطعها قد تعذر عليهم فأدخلوا تلك السفن