كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 101 """"""
التي فيها القصب والنفط وأضرموها ناراً ، فوافت القنطرة فأحرقنها فوصل النجارون بذلك إلى ما أرادوا ، وأمكن أصحاب الشذا دخولهم النهر فدخلوا ، وقتلوا الزنج حتى أجلوهم عن مواقفهم إلى الجسر الأول الذي يتلوا هذه القنطرة ، وقتل من الزنج كثير واستأمن كثير ، ووصل أصحاب الموفق إلى الجسر وقت المغرب ، فكره الموفق أن يدركهم الليل فأمرهم بالرجوع ، وأثاب المحسن على قدر إحسانه ليزدادوا جداً في حرب عدوه ، وأخرب من العد برجين حجارة كانوا عملوهما ، ليمنعوا الشذا من الخروج منه إذا دخلته ، فلما أخربهما سهل له ما أراد من دخول النهر والخروج منه .
ذكر انتقال صاحب الزنج إلى الجانب الشرقي وإحراق سوقه
قال : لما أحرقت دور صاحب الزنج وقصوره ومنازل أصحابه ، كما قدمناه ذكر ذلك - ونهبت أموالهم انتقلوا إلى جانب الجانب الشرقي من نهر أبي الخصيب ، وجمع عياله حوله ونقل أسواقه ، فضعف أمره بذلك ضعفاً شديداً ، ظهر للناس وامتنعوا من جلب الميرة إليه ، فانقطعت عنه كل مادة ، وبلغ الرطل من خبز البر عشرة دراهم ، فأكلوا الشعير وأصناف الحبوب ، ثم لم يزل الأمر بهم إلى أن كان أحدهم يأكل صاحبه إذا انفرد به ، والقوى يأكل الضعيف ، ثم أكلوا أولادهم ، ورأى الموفق أن يخرب الجانب الشرقي كما أخرب الغربي ، فأمر أصحابه بقصد دار الهمداني ومعهم الفعلة ، وكان هذا الموضع محصناً بجمع كثير ، وعليه عرادات ومنجنيقات وقسى ، فاشتبكت الحرب وكثرت القتلى فانتصر أصحاب الموفق عليهم وقتلوهم وهزموهم ، وانتهوا إلى الدار فتعذر عليهم الصعود إليها لعلو سورها ، فلم تبلغه السلاليم الطوال فرمى بعض غلمان الموفق كلاليب معهم ، فعلقوها في أعلام صاحب الزنج وجذبوها فتساقطت الأعلام منكوسة ، فلم تشك المقاتلة عن الدار في أن أصحاب الموفق وصعد النفاطون فأحرقوها وما كان عليها من المجانيق والعرادات ، ونهبوا ما كان فيها من المتاع والأثاث ، وأحرقوا ما كان حولها من الدور ، واستنقذوا من كان فيها من النساء ، وكن كثيراً ، فحملن إلى الموفقية وأمر الموفق بالإحسان إليهن ، واستأمن يومئذ من أصحاب صاحب الزنج وخاصته الذين يلون خدمته جماعة كثيرة ، فأمنهم الموفق وأحسن إليهم ، ودل جماعة

الصفحة 101