كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
من المستأمنة الموفق على سوق عظيمة كانت لصاحب الزنج ، متصلة بالجسر الأول تسمى المباركة ، وأعلموه أنه إن أحرقها لم يبق لهم سوق غيرها ، وخرج عنهم تجارهم الذين بهم قواهم ، فعزم الموفق على إحراقها وأمر أصحابه بقصد السوق من جانبيها ففعلوا ، وأقبلت الزنج إليهم فتحاربوا أشد حرب ، واتصل أصحاب الموفق إلى طرف من أطراف السوق وألقوا فيه النار فاحترق ، واتصلت النار ، وكان الناس يقتتلون والنار محيطة بهم ، وسقطت على المقاتلة واحترق بعضهم ، فكانت هذه حالهم إلى مغيب الشمس ، ثم تحاجزوا ورجع أصحاب الموفق إلى عسكرهم ، وانتقل تجار السوق إلى أعلى المدينة ، وكانوا قد نقلوا معظم أمتعتهم وأموالهم .
قال : ثم فعل صاحب الزنج بالجانب الشرقي من حفر الخنادق وتعوير الطرق مثل ما كان فعل بالجانب الغربي بعد هذه الوقعة ، واحتفر خندقاً عظيماً حصن به منازل أصحابه التي على النهر الغربي ، فرأى الموفق أن يخرب باقي السور إلى النهر الغربي ، ففعل ذلك بعد حرب طويلة في مدة بعيدة ، وكان بالجانب الغربي جمع من الزنج قد تحصنوا بسور منيع ، وهم أشجع أصحابه ، فكانوا يحامون عنه وكانوا يحرجون على أصحاب الموفق عند محاربتهم ، فأمر الموفق أن يقصد هذا الموضع ويخرب سوره ويخرج من فيه ، وأمر ابنه أبا العباس والقواد بالتأهب لذلك ، وتقدم إليهم وأمر أن تقرب الشذاوات من السور ، ونشبت الحرب ودامت إلى بعد الظهر ، وهدم في السور مواضع وأحرق ما كان عليه من العرادات ، وتحاجز الفريقان وهما على السواء سوى هذا السور وإحراق عرادات كانت عليه ، ونال الفريقين من الجراح أمر عظيم ، وعاد الموفق فوصل الناس على قدر بلائهم ، هكذا كان عمله في محاربته ، وأقام الموفق بعد هذه الوقعة أياماً ، ثم رأى معاودة هذا الموضع لما رأى من حصانته وشجاعته من فيه ، وأنه لا يقدر على ما يريد إلا بعد إزالته ، فأعد الآلات ورتب أصحابه وقصده ، وقاتل من فيه وأدخلت الشذاوات النهر ، واشتدت الحرب ودامت ، وأمد صاحب الزنج بالمهلبي وسليمان بن جامع في جيشهما ، فحملوا على أصحاب الموفق حتى ألحقوهم بسفنهم وقتلوا منهم جماعة ، فرجع الموفق ولم يبلغ منهم ما أراد ، وتبين له أنه إذا قاتلهم من وجوه عدة خفت وطأتهم على من يقصد هذا الموضع ، ففرق أصحابه على جهات الزنج ، وصار هو من جهة النهر الغربي