كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
بأمثالهم ، وأحب الموفق لأن يتمرن أصحابه على سلوك النهر ليحرق الجسر الثاني فكان يأمرهم بإدخال الشذا فيه وإحراق ما على جانبه من المنازل ، فهرب إليه في بعض الأيام قائد للزنج ومعه قاض كان لهم ففت ذلك في أعضادهم ، ووكل صاحب الزنج بالجسر الثاني من يحفظه وشحنه بالرجال ، فأمر الموفق بعض أصحابه فأحرق ما عند الجسر من سفن فزاد ذلك في احتياط صاحب الزنج وحراسته للجسر ، لئلا يحرق ويستولي الموفق على الجانب الغربي ، وكان قد تأخر من أصحاب جمع في منازلهم المقاربة للجسر الثاني ، وكان أصحاب الموفق يأتونهم ويقفون على الطريق الخفية ، فلما عرفوا ذلك عزموا على إحراق الجسر الثاني ، فأمر الموفق ابنه أبا العباس والقواد أن يتجهزوا لذلك ، وأن يأتوا من عدة جهات ليوافوا الجسر ، وأعد معهم الفؤوس والنفط والآلات ودخل هو في الشذا ومعه أنجاد أصحابه ، واشتبكت الحرب في الجانبين جميعاً واشتد القتال ، وكان في الجانب الغربي بإزاء أبي العباس ومن معه أنكلاى ابن صاحب الزنج وسليمان بن جامع ، وفي الجانب الشرقي بإزاء راشد مولى الموفق ومن معه صاحب الزنج والمهلبي في باقي الجيش ، فدامت الحرب مقدار ثلاث ساعات ثم انهزم الزنج لا يلوون على شيء وأخذت السوق منهم ، ووصل أصحاب الشذا النهر ودانوا من الجسر ، وقاتلوا من يحميه بالسهام وأضرموه ناراً ، وانهزم انكلاى وسليمان وقد أثخنا بالجراح ، فوافيا الجسر والنار فيه فحالت بينهما وبين العبور ، فألقيا أنفسهما ومن معهما في النهر فغرق منهم خلق كثير ، وأفلت انكلاى وسليمان بعد أن أشفيا على الهلاك ، وقطع الجسر وأحرق وتفرق جيش الموفق في جانبي المدينة ، وأحرق من الدور والقصور والأسواق شيئاً كثيراً واستنفذ من النساء والصبيان ما لا يحصى ودخلوا الدار التي كان صاحب الزنج سكنها بعد إحراق قصره فنهبوا ما كان فيها وأحرقوها ، وهرب هو واستنفذ في هذا اليوم نسوة من العلويات ، كن محبسات في موضع قريب من داره فأحسن الموفق إليهن ، وفتح سجناً كان له وأخرج خلقاً كثيراً ففك عنهم الحديد ، وأخرج ذلك اليوم كل ما كان بنهر أبي الخصيب من شذا ومراكب بحرية وسفن كبار وصغار وحراقات وغير ذلك من أصناف السفن إلى دجلة ، وأباحها أصحابه بما فيها من السلب ، وكانت قيمته عظيمة ، وأرسل انكلاى ابنه يطلب الأمان ، وسأل أشياء فأجابه الموفق إليها ، فعلم أبوه بذلك