كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 189 """"""
وسار الحسن بن أحمد بعد ذلك إلى مصر ، فنزل بعسكره عين شمس ، وناشب المغاربة القتال ، وانبثت سراياه في أرض مصر وبعث عمالاً إلى الصعيد تجنى الأموال ، وضيق على المغاربة وداومهم القتال على خندق مدينتهم ، يعني الشريف بمدينتهم القاهرة المعزية ، قال : فذكر أنه هزمهم حتى عبر الخندق فامتنعوا منه بالسور ، وعظم ذلك على المعز لدين الله وتحير في أمره ، ولم يجسر أن يخرج بعسكره خارج الخندق ، وكان ابن الجراح الطائي في جمع عظيم مع الحسن بن أحمد القرمطي ، وكان قوة لعسكره ومنعة ومقدمة ، فنظر القوم فإذا ليس لهم بالحسن بن أحمد طاقة ، ففكروا في أمره فلم يجدوا لهم حيلة غير فل عسكره ، وعلموا أنه لا يقدر على فله إلا بابن الجراح ، وأن ذلك لا يتم إلا ببذل ما يطلبه من المال ، فراسلوا ابن الجراح وبذلوا له مائة ألف دينار ، على أن يفل لهم عسكر القرمطي فأجابهم إلى ذلك ، ثم إنهم فكروا في أمر المال فاستعظموه ، فعملوا دنانير من النحاس وطلوها بالذهب وجعلوها في أكياس ، وجعلوا على رأس كل كيس منها دنانير يسيرة من الذهب تغطى ما تحتها وشدوها وحملت لابن الجراح بعد أن استوثقوا منه ، وعاهدوه ألا يغدر بهم إذا وصل إليهم المال ، فلما وصل إليه المال عمل على فل عسكره ، وتقدم إلى كبراء أصحابه بأن يتبعوه إذا توافق العسكران ، وقامت الحرب فلما اشتد القتال ولى ابن الجراح منهزماً ، وتبعه أصحابه في جمع كثير ، فلما نظر إليه القرمطي قد انهزم بعد الاستظهار تحير ولزمه أن يقاتل هو ومن معه فاجتهد في القتال حتى تخلص ، ولم تكن له بهم طاقة وكانوا قد بادروه من كل جانب ، فخشي على نفسه وانهزم واتبعوه قومه ودخل المغاربة معسكره ، فظفروا باتباع وباعة نحو من ألف وخمسمائة رجل ، فأخذوهم أسرى وانتهبوا العسكر وضربوا أعناقهم ، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، ثم جردوا خلف الحسن بن أحمد ، أبا محمود إبراهيم بن جعفر في عشرة آلاف رجل من المغاربة ، فسار خلفه وتباطأ في السير خوفاً من أن يعطف عليه ، وسار الحسن فنزل أذرعات وأنفذ أبا المنجى في طائفة كثيرة من الجند إلى دمشق ، وكان ابنه قبل ذلك والياً عليها ، ثم سار القرمطي في البرية إلى بلده وفي نيته العود ، وكانت المغاربة ، لما سمعوا بقصة ظالم ، وقبض القرمطي عليه لما جرى بينه وبين أبي المنجى ما ذكرناه ، وهربه إلى حصنه ، راسلوه ليأتي القرمطي من خلفه ، فسار يريد بعلبك فلقيه الخبر بهزيمة القرمطي ونزول أبي المنجى على دمشق ، فسار ظالم نحو دمشق ونزل أبو محمود أذرعات ، وذكر أنه كان بينه وبين ظالم مراسلة واتفقا على أبي المنجى ، وبلغ أبو المنجى مسير ظالم إليه وكان في شرذمة يسيرة ، وأبو المنجى بدمشق في نحو ألفي رجل ، وكان قد ورد إليه الخبر في أن ظالماً يصبح

الصفحة 189