كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 19 """"""
فكيف يورث بها ، ولقد طلبها أبوك بكل وجه ، فأخرج فاطمة رضي الله عنها نهاراً ومرضها سراً ودفنها ليلاً ، فأبى الناس إلا الشيخين ، ولقد جاءت السنة التي لا اختلاف فيها بين المسلمين : أن الجد أبا الأم والخال والخالة لا يورثون ؛ وأما ما فخرت به من على وسابقته ، فقد حضرت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الوفاة فأمر غيره بالصلاة ثم أخذ الناس رجلاً بعد رجل فلم يأخذوه ، وكان في السنة فتركوه كلهم دفعاً له ، ولم يروا له حقا فيها ؛ وأما عبد الرحمن فقدم عليه عثمان ، وقتل عثمان وهو له متهم ، وقاتله طلحة والزبير ، وأبى سعد بيعته وأغلق بابه دونه ، ثم بايع معاوية بعده ؛ ثم طلبها بكل وجه وقاتل عليها ، وتفرق عنه أصحابه ، وشك فيه شيعته قبل الحكومة ، ثم حكم حكمين رضي بهما ، وأعطاهما عهد الله وميثاقه ، فاجتمعا على خلعه ، ثم كان حسن فباعها من معاوية بخرق ودراهم ، ولحق بالحجاز واسلم شيعته بيد معاوية ، ودفع الأمر إلى غير أهله ، وأخذ مالا من غير حله ، فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه وأخذتم ثمنه ، ثم خرج عمك حسين على ابن مرجانة ، فكان الناس معه عليه ، حتى قتلوه وأتوا برأسه إليه ؛ ثم خرجتم على بني أمية ، فقتلوكم وصلبوكم على جذوع النخل ، وأحرقوكم بالنيران ونفوكم من البلدان ، حتى قتل يحيى بن زيد بخراسان ، وقتلوه رجالكم وأسروا الصبية والنساء ، وحملوكم بلا وطاء في المحامل ، كالسبي المجلوب إلى الشام ، حتى خرجنا عليهم وطلبنا بثأركم ، وأدركنا بدمائكم وأورثناكم أرضهم وديارهم ، وسنينا سلفكم وفضلناه فاتخذت ذلك علينا حجة ، وظننت أنا إنما ذكرنا أباك وفضلناه للتقدمة منا له ، على حمزة والعباس وجعفر ، وليس ذلك كما ظننت ، ولكن خرج هؤلاء من الدنيا سالمين ، متسلما منهم مجتمعاً عليهم بالفضل ، وابتلى أبوك بالقتال والحرب ، وكانت بنو أمية تلعنه كما الكفر في الصلاة المكتوبة ، فاحتججنا عليهم وذكرناهم فضله ، وعنفناهم وظلمناهم بما نالوا منه . ولقد علمت أن مكرمتنا في الجاهلية سقاية الحاج الأعظم وولاية زمزم ، فصارت للعباس من بين اخوته ، فنازعنا فيها أبوك فقضى لنا عليه عمر ، فلم نزل نليها في الجاهلية والإسلام ، ولقد قحط أهل المدينة ، فلم يتوسل عمر إلى ربه ولم يتقرب إليه إلا يأبينا ، حتى نعشهم الله وسقاهم الغيث ، وأبوك حاضر لم يتوسل به ، ولقد علمت أنه لم يبق أحد من بني عبد المطلب بعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غيره ، فكانت وراثته من عمومته ، ثم طلب هذا الأمر غير واحد من بني هاشم ، فلم ينله إلا ولده ، فالسقاية سقايته ، وميراث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) له ، والخلافة في ولده ، فلم يبق شرف ولا فضل في جاهلية ولا إسلام - في دنيا ولا آخرة - إلا والعباس وارثه وموروثه . أما ما ذكرت من بدر فإن الإسلام جاء ، والعباس يمون أبا طالب وعياله ، وينفق عليهم للأزمة التي أصابته ،

الصفحة 19