كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 195 """"""
ثم فارق البلد ولم يقدر على المقام به لكثرة أهله ، وسار إلى الحديثة وكان قد اتخذها دار هجرته ، وكان دخوله الموصل في سنة خمس وخمسين ومائتين ، ثم كان بينه وبين عسكر للخليفة في هذه السنة وقعة فانهزم عسكر الخليفة .
ذكر اختلافهم الخوارج على مساور وانتصاره على من خالفه وقتاله عساكر الخليفة
في سنة ست وخمسين ومائتين خالف إنسان من الخوارج اسمه عبيدة من بني زهير ، على مساور ، وسبب ذلك أنه خالفه في توبة المخطىء ، فقال مساور : تقبل توبته ، وقال عبيدة : لا تقبل ، فجمع عبيدة جمعاً كثيراً وسار إلى مساور ، وتقدم إليه مساور من الحديثة ، فالتقوا بنواحي جهينة في جمادي الأولى سنة سبع وخمسين ، واقتتلوا أشد قتال فترجل عبيدة ومعه جماعة من أصحابه وعرقبوا دوابهم فقتل عبيدة وانهزم جمعه ، فقتل أكثرهم واستولى مساور على كثير من العراق ، ومنع الأموال عن الخليفة فضاقت على الجند أرزاقهم فاضطرهم ذلك إلى أن سار إليه موسى بن بغا وبايكباك وغيرهما في عسكر عظيم ، وذلك في سنة ست وخمسين ، فوصلوا إلى السن وأقاموا به ، ثم عادوا بسبب خلع المهتدي ، فلما ولى المعتمد على الله الخلافة سير مفلحاً في عسكر كبير لقتال مساور ، فسار فلما قرب قارب الحديثة فارقها مساور ، وقصد جبلين يقال لأحدهما زيني والآخر عامر وهما بالقرب من الحديثة ، فتبعه مفلح فعطف عليه مساور وهو في أربعة آلاف فارس ، وكان مساور قد انصرف من حرب عبيدة وقد جرح كثير من أصحابه ، فلحقوا مفلحاً بجبل زيني فلم يصل إلى ما يريد ، فصعد مساور رأس الجبل فاحتمى به ، ونزل مفلح في أصل الجبل ، وجرى بينهما وقعات كثيرة ، ثم اصبحوا يوماً فطلبوا مساوراً فلم يجدوه ، وكان قد نزل من غير الوجه الذي نزل به مفلح ، لما أيس من الظفر لضعف أصحابه من الجراح ، فلما لم يره مفلح سار إلى الموصل وسار منها إلى ديار ربيعة ، سنجار ونصيبين والخابور ، فنظر في أمرها ثم سار فأتى الموصل ، فأحسن السيرة في أهلها ورجع عنها وقد تأهب للقاء مساور ، فلما قارب الحديثة فارقها مساور وتبعه مفلح ، فكان مساور يرتحل عن المنزل فينزله مفلح ، فلما طال الأمر على مفلح وتوغل في الجبال والشعاب والمضايق عاد عنه فتبعه مساور يقفو أثره ويأخذ من ينقطع عن ساقه العسكر ، فرجع إليه طائفة من

الصفحة 195