كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 199 """"""
شديداً فانكشف الخوارج عنه ، ليفرقوا جمعيته ثم يعطفوا عليهن فأمر الحسن أصحابه بلزوم مواقفهم ففعلوا ، ورجع هارون وأصحابه وحملوا سبع عشرة حملة ، فانكشفت ميمنة الحسن وثبت هو ، فحمل عيه الخوارج حملة رجل واحد وهو ثابت ، وضرب على رأسه عدة ضربات فلم تؤثر فيه ، فلما رأى أصحابه ثباته رجعوا إليه وقتلوا وصبروا ، فانهزم هارون ومن معه وقتل خلق كثير ، وكانت هذه الواقعة في سنة اثنتي وثمانين ومائتين ، فتحير هارون في أمره فقصد البرية ، ونزل عند بني تغلب ثم عاد إلى معلثايا ، ورجع إلى البرية ثم رجع إلى دجلة ، وتكرر ما بين ذلك ، فلما رأى أصابه قوة دولة الخليفة المعتضد بالله وراسلوا الخليفة في طلب الأمان ، فأمنهم فأتاه ثلاثمائة وستون رجلاً ، وبقي مع هارون بعضهم ، وهو يجول في البلاد إلى أن قتل .
ذكر مقتل هارون
وفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين سار المعتضد بالله إلى الموصل ، ووصل إلى تكريت وأقام بها ، وأحضر الحسين بن حمدان وبعثه في طلب هارون في جماعة من الفرسان والرجالة ، فانتخب الحسن ثلاثمائة رجل فسار بهم ، ومعه وصيف فقال له الحسين : مره يا أمير المؤمنين بطاعتي ، فقال الحسين لوصيف ولمن معه ليقفوا هناك ، وقال : ليس لهارون طريق - إن هرب - غيرها ، فلا تبرحوا من هذا الموضع حتى يمر بكم فتمنعوه من العبور وأكون أنا من خلفه ، ومضى الحسين في طلب هارون فلقيه ، واقتتلوا وقتل من الفريقين عدة قتلى ، ثم انهزم هارون ، وأقام الوصيف على المخاضة ثلاثة أيام ، فقال له أصحابه : قد طال مقامك ولسنا نأمل أن يأخذ حسين هارون ، فيكون الفتح له دوننا ، والصواب أن تمضي في آثارهم فأعطاهم ومضى ، ولما فارق المخارضة جاء هارون فعبرها ، وجاء الحسين في أثره إلى الموضع فلم يرى وصيفاً وأصابه في الموضع الذي تركهم فيه ، فعبر في أثر هارون وانتهى إلى حي من أحياء العرب ، فسأل عنه فكتموه أمر فهددهم فأعلموه أنه اجتاز بهم ، فتبعه حتى أدركه بعد أيام وهارون في نحو مائة رجل ، فناشده فأبى الحسين إلا قتاله ، وحاربه وألقى نفسه عليه وأسره ، وجاء به إلى المعتضد بالله إلى بغداد فوصلها لثمان بقين من شهر ربيع الأول ، وأدخل هارون على فيل ، وأرادوا أن يلبسوه ديباجاً مشهرا فامتنع ، وقال : هذا لا يحل فألبسوه كارها ، ولما صلب نادى بأعلى صوته لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ، وكان هارون صفرياً ، وكانت مدة خروج هذه الطائفة ، منذ خرج مساور إلى أن أسار هارون ثلاثين سنة ، منها أيام مساور عشر سنين ، ومدة خروج هارون عشرون سنة ، والله تعالى أعلم .

الصفحة 199