كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 20 """"""
ولولا أن العباس أخرج إلى بدر كارهاً لمات طالب وعقيل جوعاً ، وللحسا جفان عتبة وشيبة ، ولكنه كان من المطعمين ، فأذهب عنكم العار والسبة ، وكفاكم النفقة والمؤونة ، ثم فدا عقيلاً يوم بدر ، فكيف تفخر علينا وقد علناكم في الكفر ، وفديناكم وحزنا عليكم مكارم الآباء ، وورثنا دونكم خاتم الأنبياء ، وطلبنا بثأركم فأدركنا منه ما عجزتم عنه ، ولم تدركوا لأنفسكم ، والسلام عليكم ورحمة الله . لاء من الدنيا سالمين ، متسلما منهم مجتمعاً عليهم بالفضل ، وابتلى أبوك بالقتال والحرب ، وكانت بنو أمية تلعنه كما الكفر في الصلاة المكتوبة ، فاحتججنا عليهم وذكرناهم فضله ، وعنفناهم وظلمناهم بما نالوا منه . ولقد علمت أن مكرمتنا في الجاهلية سقاية الحاج الأعظم وولاية زمزم ، فصارت للعباس من بين اخوته ، فنازعنا فيها أبوك فقضى لنا عليه عمر ، فلم نزل نليها في الجاهلية والإسلام ، ولقد قحط أهل المدينة ، فلم يتوسل عمر إلى ربه ولم يتقرب إليه إلا يأبينا ، حتى نعشهم الله وسقاهم الغيث ، وأبوك حاضر لم يتوسل به ، ولقد علمت أنه لم يبق أحد من بني عبد المطلب بعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غيره ، فكانت وراثته من عمومته ، ثم طلب هذا الأمر غير واحد من بني هاشم ، فلم ينله إلا ولده ، فالسقاية سقايته ، وميراث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) له ، والخلافة في ولده ، فلم يبق شرف ولا فضل في جاهلية ولا إسلام - في دنيا ولا آخرة - إلا والعباس وارثه وموروثه . أما ما ذكرت من بدر فإن الإسلام جاء ، والعباس يمون أبا طالب وعياله ، وينفق عليهم للأزمة التي أصابته ، ولولا العباس أخرج إلى بدر كارهاً لمات طالب وعقيل جوعاً ، وللحسا جفان عتبة وشيبة ، ولكنه كان من المطعمين ، فأذهب عنكم العار والسبة ، وكفاكم النفقة والمؤونة ، ثم فدا عقيلاً يوم بدر ، فكيف تفخر علينا وقد علناكم في الكفر ، وفديناكم وحزنا عليكم مكارم الآباء ، وورثنا دونكم خاتم الأنبياء ، وطلبنا بثأركم فأدركنا منه ما عجزتم عنه ، ولم تدركوا لأنفسكم ، والسلام عليكم ورحمة الله .
وكان محمد قد استعمل الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب على مكة ، والقاسم بن إسحاق على اليمن ، وموسى ابن عبد الله على الشام ، فأما الحسن والقاسم فسارا إلى مكة ، فخرج إليها السري بن عبد الله ، عامل المنصور على مكة ، فلقيهما ببطن أذاخر فهزماه ، ودخل الحسن مكة فأقام بها يسيراً ، فأتاه كتاب محمد بن عبد الله يأمره بالمسير إليه فيمن معه ، ويخبره بمسير عيسى ابن موسى إليه ليحاربه ، فسار إليه من مكة هو والقاسم ، فبلغة بنواحي قديد قتل محمد ، فهرب هو وأصحابه وتفرقوا ، فلحق الحسن بإبراهيم فأقام عنده حتى قتل إبراهيم ، واختفى القاسم بالمدينة حتى أخذت له ابنه عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر امرأة عيسى الأمان له ولإخوته معاوية وغيره ، وأما موسى بن عبد الله فسار نحو الشام ومعه رزام مولى محمد بن خالد القسري ، فانسل منه رزام بتيماء ، وسار إلى المنصور برسالة من مولاه محمد القسري ، فظهر محمد بن عبد الله على ذلك فحبس محمد القسري ، ووصل موسى إلى الشام فرأى منهم سوء رد غليه وغلظة ، فكتب إلى محمد : أخبرك أني لقيت الشام وأهله ، فكان أحسنهم قولاً الذي قال : والله لقد مللنا البلاء ، وضقنا حتى ما فينا لهذا الأمر موضع ، ولا لنا به حاجة ؛ ومنهم طائفة تحلف لئن أصبحنا من ليلتنا أو أمسينا من غد ليرفعن أمرنا ؛ فكتبت إليك ، وقد غيبت وجهي ، وخفت على نفسي .

الصفحة 20