كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 212 """"""
ذكر وفاة الأمير السعيد نصر بن أحمد وشيء من سيرته
كانت وفاته في شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة ، وكانت علته السل فأقام به ثلاثة عشر شهراً ، ولم يكن قد بقي من مشايخ دولتهم أحد ، وكانت ولايته ثلاثين سنة وثلاثة وثلاثين يوماً وعمره ثمانياً وثلاثين سنة .
وكان عالماً ذا حلم وكرم وعقل ، ومن مكارمه ولين جانبه أن بعض الخدم سرق جوهراً نفيساً ، وباعه على بعض التجار بثلاثة عشر ألف درهم ، فحضر التاجر عند السعيد وأعلمه أنه اشترى جوهراً نفيساً لا يصلح إلا للسلطان ، وأحضر الجوهر فحين رآه السعيد عرفه ، فسأل عن ثمنه ومن أين اشتراه ، فذكر الخادم والثمن فأربحه ألفي درهم ، ثم سأله التاجر في دم الخادم فقال : لا بد من أدبه ، وأما دمه فهو لك ، فأحضره وأدبه ثم أنفذه إلى التاجر ، وقال : كنا وهبنا لك دمه ، وقد أنفذناه إليك . وحكى عنه أنه لما خرج عليه أخوه أبو زكريا ونهبت خزائنه وأمواله ، فلما عاد السعيد إلى ملكه قيل له عن جماعة انتهبوا أمواله فلم يعترض إليهم ؛ وأخبر أن بعض السوقة اشترى منها سكيناً نفيساً بمائتي درهم ، فأرسل إليه وأعطاه الثمن فأبى أن يبيع السكين إلا بألف درهم ، فقال السعيد : ألا تعجبون من هذا الرجل أرى عنده مالي فلم أعاتبه وأعطيه حقه فيشتط في الطلب ثم أمر بإرضائه .
ولما طال مرضه أقبل على الصلاة والعبادة ، وبنى له بيتاً وسماه ببيت العبادة ، فكان يلبس ثياباً نظافا ويمشي إليه حافياً ويصلي ويدعو ويتضرع ، ولما دفن عند قبر والده رحمهما الله .
وولى بعده الأمير :
نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد وهو الخامس من الملوك السامانية
قال : بويغ له بعد وفاة أبيه في شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة ولقب الأمير الحميد ، وفوض أمر تدبير دولته وملكه إلى أبي الفضل محمد بن أحمد الحاكم ، وصدر عن رأيه ، ولما هرب منه أبو الفضل بن أحمد بن حمويه - وهو من أكابر أصحاب أبيه - فأمنه وأعاده وأحسن إليه ، وولاه سمرقند .

الصفحة 212