كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 219 """"""
ولنرجع إلى سبب ملك بغراخان بخارى . كان سبب ذلك أن أبا الحسن بن سيمجور عامل خراسان - لما مات - ولي ابنه أبو علي بعده وكاتب الأمير الرضى نوحاً أن يقره على ما كان بيد أبيه ، فأجيب إلى ذلك ، وحملت إليه الخلع وهو لا يشك أنها له ، فلما بلغ الرسول طريق هراة عدل إليها وبها قايق ، فأوصل إليه العهد بولاية خراسان والخلع إليه ، فعلم أبو علي أنهم مكروا به ، وأن هذا دليل سوء يريدونه به ، فلبس فايق الخلع وسار عن هراة نحو أبي علي ، فبلغه الخبر فسار جريدة في نخبة أصحابه ، وطوى المنازل حتى سبق خبره ، وأوقع بفايق بين هراة وبوشنج ، فانهزم فايق وأصحابه إلى مرو الروذ ، وكتب أبو علي إلى الأمير نوح يجدد طلب ولاية خراسان ، فأجابه إلى ذلك وجمع له ولاية خراسان جميعها بعد أن كانت هراة لفايق ، وعاد أبو علي إلى نيسابور ظافراً وجبى أموال خراسان ، فكتب إليه نوح يستتر له عن بعضها ليصرفه في أرزاق الجند ، فاعتذر إليه ولم يفعل وخاف عاقبة المنع فكتب إلى بغراخان يدعوه إلى قصد بخارى ، واستقر الأمر بينهما على أن يكون لبغراخان ما وراء النهر جميعه ، ولأبي خراسان ، فطمع بغراخان في البلاد وتجددت حركته إليها .
وأما فايق فإنه أقام بمرو الروذ حتى اجتمع إليه أصحابه ، وسار نحو بخارى من غير إذن ، فارتاب الأمير نوح به وسير الجيوش وأمرهم يمنعه ، فقاتلوه وهزموه فعاد وقصد ترمذ ، وكاتب بغراخان أيضاً يطمعه في البلاد ، فسار نحو بخارى واستولى على بلاد السامانية شيئاً بعد شيء ، فسير إليه نوح جيشاً واستعمل عليهم قائداً كبيراً من قواده اسمه انج ، فهزمهم بغراخان وأسر أنج وجماعة من القواد ، فلما ظفر بهم طمعه في البلاد ، وضعف نوح وأصحابه وكاتب أبا علي بن سيمجور يستنصره ، ويأمره بالقدوم إليه بالعساكر فلم يجبه إلى ذلك ولا لبى دعوته ، وطمع في الاستيلاء على خراسان ، وسار بغراجان نحو بخارى فلقيه فايق واختص به وصار في جملة أصحابه ، ونازلوا بخارى فاختفى الأمير نوح وملكها بغراجان ونزلها ، وخرج نوح منها مستخفياً فعبر النهر إلى آمل الشط ، وأقام بها ولحق به أصحابه ، وتابع نوح كتبه ورسله إلى أبي علي يستنجده ويخضع له ، فلم يصغ إلى ذلك ؛ وأما فايق فإنه استأذن بغراجان في قصد بلخ والاستيلاء عليها فأمره بذلك ، فسار نحوها واستولى عليها .

الصفحة 219