كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 23 """"""
إن عدو الله وعدوكم قد نزل الأعوص ، وإن أحق الناس بالقيام بهذا الأمر ، لأبناء المهاجرين والأنصار ، ألا وإنا قد جمعناكم وأخذنا عليكم الميثاق ، وعدوكم في عدد كثير ، والنصر من الله والأمر بيده ، وأنه قد بدا لي آذن لكم ، فمن أحب منكم أن يقيم أقام ، ومن أحب أن يظعن ظعن ؛ فخرج عالم كثير ، وخرج ناس من أهل المدينة بذراريهم وأهليهم إلى الأعراض والجبال ، وبقي محمد في شرذمة يسيرة ، فأمر أبا القلمس برد من قدر عليه ، فأعجزه كثير منهم فتركهم .
قال : وكان المنصور قد أرسل ابن الأصم مع عيسى بن موسى ينزله المنازل ، فلما قدموا نزلوا على ميل من المدينة ، فقال ابن الأصم : إن الخيل لا عمل لها مع الرجالة ، وإني أخاف إن كشفوكم كشفة أن يدخلوا اعسكركم ، فتأخروا إلى سقاية بن عبد الملك بالجرف وهو على أربعة أميال من المدينة ، وقال : ولا يهرول الراجل أكثر من ميلين أو ثلاثة حتى تأخذه الخيل ، وأرسل عيسى خمسمائة رجل إلى بطحاء ابن أزهر - على ستة أميال من المدينة - فأقاموا بها ، وقال : أخاف أن ينهزم محمد فيأتي مكة ، فيرده هؤلاء ، فكانوا بها حتى قتل محمد ، وأرسل عيسى إلى محمد يخبره أن المنصور أمنه وأهله ، فأعاد الجواب : يا هذا ، إن لك برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرابة قريبة ، وإني أدعوك إلى كتاب الله وسنة نبيه والعمل بطاعته ، وأحذرك نقمته وعذابه ، وإني والله ما أنا بمنصرف عن هذا الأمر حتى ألقى الله عليه ، وإياك أن يقتلك من يدعوك إلى الله : فتكون شر قتيل ، أو تقتله فيكون أعظم لوزرك . فلما بلغته الرسالة قال عيسى : ليس بيننا وبينه إلا القتال ؛ وقال محمد للرسول : علام تقتلوني ؟ وإنما أنا رجل فر من أن يقتل ، قال : إن القوم يدعونك إلى الأمان ، فإن أبيت إلا قتالهم قاتلوك ، على ما قاتل عليه خير آبائك طلحة والزبير ، على نكث بيعتهم وكيد ملكه . قال ، ونزل عيسى بالجرف لاثنتي عشرة خلت من شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة وذلك يوم السبت ، فأقام السبت والأحد وغدا يوم الإثنين فوقف على سلع ، فنظر إلى المدينة ومن فيها ، ونادى يا أهل المدينة : إن الله تعالى حرم دماء بعضنا على بعض ، فهملوا إلى الأمان ، فمن قام تحت رايتنا فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن خرج من المدينة فهو آمن ،

الصفحة 23