كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 24 """"""
خلوا بيننا وبين صاحبنا فإما لنا وإما له . فشتموه فانصرف من يومه وعاد من الغد ، وقد فرق القواد من سائر جهات المدينة ، وأخلى ناحية مسجد أبي الجراح هو على بطحان ، أخلى تلك الناحية لخروج من ينهزم ، وبرز محمد في أصحابه ورايته مع عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير ، وكان شعاره أحد أحد ، فبرز أبو القلمس وهو من أصحاب محمد ، فبرز إليه أخو أسد ، فاقتتلوا طويلاً فقتله أبو القلمس ، وبرز إليه آخر فقتله ، وقال حين ضربه : خذها وأنا ابن الفاروق ، فقال رجل من أصحاب عيسى : قتلت خيراً من ألف فاروق ، وقاتل محمد يومئذ قتالاً عظيماً ، فقتل بيده سبعين رجلاً ، وأمر عيسى حميد بن قحبطة فتقدم في مائة كلهم راجل سواه ، فزحفوا حتى بلغوا جداراً دون الخندق ، عليه ناس من أصحاب محمد ، فهدم حميد الحائط وانتهى إلى الخندق ، ونصب عليه أبواباً وعبر هو وأصحابه عليها ، فجازوا الخندق وقاتلوا من وراءه أشد قتال من بكرة النهار إلى العصر ، وأمر عيسى أصحابه فألقوا الحقائب وغيرها في الخندق ، وجعل الأبواب عليها وجازت الخيل ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، وانصرف محمد فاغتسل وتحنط ثم رجع ، فقال له عبد الله بن جعفر : بأبي أنت وأمي ، والله مالك بما ترى طاقة أتيت الحسن بن معاوية بمكة فإن معه جل أصحابه فقال : لو خرجت لقتل أهل المدينة ، والله لا أرجع حتى أقتل أو أُقتل ، وأنت مني في سعة فاذهب حيث شئت ، فمشى معه قليلاً ثم رجع عنه ، وتفرق عنه جل أصحابه ، حتى بقي في ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً ، فقال بعض أصحابه : نحن اليوم بعدة أهل بدر ؛ وصلى محمد الظهر والعصر ، وكان معه عيسى بن خضير وهو يناشده : إلا ذهب إلى البصرة أو غيرها ، ومحمد يقول : لا والله لا تبتلون بي مرتين ، ولكن اذهب أنت حيث شئت ، فقال ابن خضير : وأين المذهب عنك ؟ ثم مضى فأحرق الديوان ، الذي فيه أسماء من بايعهم ، وقتل رياح بن عثمان أخاه عباس بن عثمان ، وقتل ابن مسلم بن عقبة المرسي ، ومضى إلى محمد بن خالد القسري وهو محبوس ليقتله فعلم به ، فردهم الأبواب دونه فلم يقدر على قتله ، وكان محمد بن عبد الله قد حبس محمد بن خالد بعد ما أطلقه ، ورجع عيسى بن خضير إلى محمد فقاتل بين يديه حتى قتل ، وتقدم حميد بن قحطبة ، وتقدم محمد بن عبد الله فلما صار ببطن مسيل سلع عرقب فرسه ، وعرقب بنو شجاع الجهنيون دوابهم ، ولم يبق أحد منهم إلا كسر جفن سيفه ، فقال لهم محمد : قد بايعتموني ولست بارحاً حتى أقتل ، فمن يحب أن ينصرف فقد أذنت له ، واشتد القتال فهزموا أصحاب عيسى بن موسى مرتين أو ثلاثاً ، فقال يزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر : ويل أمه فتحاً ، أو كان له رجال وصعد نفر من

الصفحة 24