كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
ذكر مسير إبراهيم ومقتله
قال : ثم عزم إبراهيم على السير ، فأشار عليه أصحابه البصريون أن يقيم ويرسل الجنود ، فيكون ، إذا انهزم لك جند أمدتهم بغيرهم ، فخيف مكانك واتقاك عدوك ، وجبيت الأموال وثبتت وطأتك ، فقال من عنده من أهل الكوفة : إن بالكوفة أقاماً لو رأوك ماتوا دونك ، وإن لم يروك قعدت بهم أسباب شتى ؛ فسار عن البصرة إلى الكوفة ، وكان المنصور - لما بلغه ظهور إبراهيم - في قلة من العسكر فقال : والله ما أدري كيف أصنع ما في عسكري إلا ألفا رجل ، فرقت جندي فمع المهدي بالري ثلاثون ألفاً ، ومع محمد بن الأشعث بأفريقية أربعون ألفاً ، والباقون مع عيسى بن موسى ، والله ، لئن سلمت من هذه لا يفارق عسكري ثلاثون ألفاً ، ثم كتب إلى عيسى بن موسى بالعود مسرعاً ، فأتاه الكتاب وقد أحرم بعمرة فتركها ، وعاد وكتب إلى سلم بن قتيبة فقدم عليه من الري ، فقال له المنصور : اعمد إلى إبراهيم ولا يروعنك جمعة ، فوالله - إنهما جملا بني هاشم المقتولان ، فثق بما أقول ، وضم إليه غيره من القواد . وكتب إلى المهدي يأمره بإنفاذ جريمة بن خازم إلى الأهواز ، فسيره في أربعة آلاف فارس فوصلها ، وقاتل المغيرة ، فرجع المغيرة إلى البصرة ، واستباح خزيمة الأهواز ثلاثاً ، وتوالت على المنصور الفتوق : من البصرة والأهواز وفارس وأواسط والمداين والسواد ، وإلى جانبه أهل الكوفة في مائة ألف مقاتل ، ينتظرون به صيحة ، فلما توالت الأخبار عليه بذلك أنشد :
وجعلت نفسي للرماح درية . . . إن الرئيس بمثل ذاك فعول
ثم إن المنصور رمى كل ناحية بحجرها ، وبقي على مصلاه خمسين يوماً ، ينام عليه ويجلس عليه ، وعليه جبة ملونة ، قد اتسخ جيبها ، ما غيرها ولا هجر المصلى ، إلا أنه ، إذا ظهر للناس لبس السواد ، فإذا فارقهم رجع إلى هيئته ، واهديت إليه امرأتان من المدينة ، إحداهما فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله والأخرى أمة الكريم بنت عبد الله من ولد خالد بن أسيد ، فلم ينظر إليهما ، فقيل له : إنهما قد ساءت ظنونهما ، فقال : ليست هذه أيام نساء ، ولا سبيل إليهما حتى أنظر : أرأس إبراهيم لي أم رأسي له ؟ قال الحجاج بن قتيبة : لما تتابعت الفتوق على