كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
المنصور ، دخلت مسلماً عليه وقد أتاه خبر البصرة والأهواز وفارس ، وعساكر إبراهيم قد عظمت ، وبالكوفة مائة ألف سيف بازاء عسكره ، تنتظر صيحة واحدة فيثبون به ؛ فرأيته أحوذيا مشمراً قد قام إلى ما نزل به من النوائب يعركها ، فقام بها ولم تقعد به نفسه ، وإنه لكما قال الأول :
نفس عصام سودت عصاما . . . وعلمته الكر والإقاما
وصيرته ملكا هماما
ثم وجه المنصور إلى إبراهيم ، عيسى بن موسى في خمسة عشر ألفاً ، وعلى مقدمته حميد بن قحطبة في ثلاث آلاف ، وقال له - لما ودعه - : إن هؤلاء الخبثاء - يعني المنجمين - يزعمون أنك إذا لاقيت إبراهيم ، تجول أصحابك جولة حين تلقاه ، ثم يرجعون إليك وتكون العاقبة لك . قال : ولما سار إبراهيم عن البصرة مشى ليلة في عسكره سراً ، فسمع أصوات الطنابير ، ثم فعل ذلك ليلة أخرى فسمعها أيضاً ، فقال : ما أطمع في نصر عسكر فيه مثل هذا ، وسمع وهو ينشد في طريقه أبيات القطامى :
أمور تدبرها حليم . . . إذا لنهى وهيب ما استطاعا
ومعصية الشفيق عليك مما . . . يزيدك مرة منه استماعا
وخير الأمر ما استقبلت منه . . . وليس بأن تتبعه اتباعا
ولكن الأيم إذا تفرى . . . بلى وتعيبا غلب الصناعا فعلموا أنه نادم على مسيره ، وكان ديوانه قد أحصى مائة ألف ، وقيل كان معه في طريقه عشرة آلاف ، وقيل له في طريقه ليأخذ غي الوجه الذي فيه عيسى ويقصد الكوفة ، فإن المنصور لا يقوم له وينضاف أهل الكوفة إليه ، ولا يبقى للمنصور مرجع دون حلوان فلم يفعل ، وقيل له ليبيت عيسى بن موسى ، فقال : أكره البيات إلا بعد الإنذار ، وقال له بعض أهل الكوفة : ائذن لي بالمسير إلى الكوفة ،