كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 34 """"""
أدعو الناس سراً ثم أجهر ، فإذا سمع المنصور الهيعة بأرجاء الكوفة ، لم يرد وجهه شيء دون حلوان ، فاستشار إبراهيم بشير الرحال ، فقال : لو وثقنا بالذي تقول لكان رأيا ، ولكنا لا نأمن أن تجيئك منهم طائفة ، فيرسل إليهم المنصور الخيل ، فيأخذ البريء والصغير والمرأة ، فيكون ذلك تعرضاً للمآثم ، فقال الكوفي : كأنكم خرجتم لقتال المنصور وأنتم تتوقون قتل الضعيف والصغير والمرأة ، وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يبعث سراياه ، فيقاتل ويكون نحو هذا ، فقال بشير : أولئك كفار وهؤلاء مسلمون ، فاتبع إبراهيم رأيه وسار حتى نزل باخمرا ، وهي من الكوفة على ستة عشر فرسخاً مقابل عيسى بن موسى ، فأرسل إليه سلم بن قتيبة يقول : إنك قد أصحرت ، ومثلك أنفس به عن الموت ، فخندق عل نفسك حتى لا تؤتى إلا من وجه واحد ، فإن أنت لم تفعل فقد أعرى أبو جعفر عسكره ، فتخفف في طائفة حتى تأتيه فتأخذ بقفاه ، فدعا إبراهيم أصحابه وعرض عليهم ذلك ، فقالوا : نخندق على أنفسنا ونحن ظاهرون عليهم ؟ لا والله لا نفعل ؛ قال : فنأتي أبا جعفر ، قالوا : ولم وهو في أيدينا ، متى أردناه ؟ فقا لإبراهيم للرسول : أتسمع ، فارجع راشداً .
ثم إنهم تصادفوا ، فصف إبراهيم أصحابه صفاً واحداً ، فأشار عليه بعض أصحابه بأن يجعلهم كراديس ، فإذا انهزم كردوس ثبت كردوس ، فإن الصف إذا انهزم بعضه تداعى سائره ، فقال الباقون : لا نصف إلا صف أهل الإسلام ، يعني قول الله تعالى " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص " ، ثم التوا واقتتلوا قتالاً شديداً ، فانهزم حميد بن قحطبة وانهزم الناس معه ، فعرض لهم عيسى يناشدهم الله والطاعة ، فلا يلوون عليه ، وأقبل حميد منهزماً فقال له عيسى : الله الله والطاعة ، فقال لا طاعة في الهزيمة ، ومر الناس فلم يبق مع عيسى إلا نفر يسير ، فيقيل له : أو تنحيت عن مكانك حتى يثوب إليك الناس ، فتكر بهم ؟ فقال : لا أزول عن مكاني هذا أبداً حتى أقتل أو يفتح الله على يدي ، والله لا ينظر أهل بيتي إلى وجهي أبداً وقد انهزمت عن عدوهم ، وجعل يقول لمن يمر به : إقرأوا أهل بيتي السلام ، وقولوا لهم لم أجد فداء أفديكم به أعز من نفسي ، وقد بذلتها دونكم ، فبينما هو كذلك لا يلوي أحد على أحد إذ أتى جعفر ومحمد ابنا سليمان بن علي بن ظهور أصحاب إبراهيم ، ولا يشعر باقي أصحابه الذين يتبعون المنهزمين ، حتى نظر بعضهم

الصفحة 34