كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 35 """"""
فرأى القتال من ورائهم ، فعطفوا نحوه ورجع أصحاب المنصور يتبعونهم ، فكانت الهزيمة على أصحاب إبراهيم ، فلولا جعفر ومحمد لتمت الهزيمة ، وكان من صنع الله للمنصور أن أصحابه لقيهم نهر في طريقهم ، فلم يقدروا على الوثوب ولم يجدوا مخاضة فعادوا بأجمعهم ، وكان أصحاب إبراهيم قد مخروا الماء ليكون قتالهم من وجه واحد ، فلما انهزموا منعهم الماء من الفرار ، وثبت إبراهيم في نفر من أصحابه يبلغون ستمائة ، وقيل أربعمائة ، فقاتلهم حميد وجعل يرسل بالرؤوس إلى عيسى ، وجاء إبراهيم سهم عائر فوقع في حلقه فنحره ، فتنحى عن موقفه وقال : أنزلوني ، فأنزلوه عن مركبه وهو يقول : وكان أمر الله قدراً مقدوراً ، أردنا أمراً وأراد الله غيره ، واجتمع عليه أصحابه وخاصته يحمونه ويقاتلون دونه ، فقال حميد بن فحطبة لأصحابه : شدوا على تلك الجماعة حتى تزيلوهم عن موضعهم ، وتعلموا ما اجتمعوا عليه ، فشدوا عليهم فقاتلوهم أشد القتال ، حتى أفرجوهم عن إبراهيم وخلصوا إليه وحزّوا رأسه ، فأتوا به عيسى بن موسى ، فأراه ابن أبي الكرام الجعفري ، فقال : نعم هو رأسه ، فنزل عيسى إلى الأرض فسجد ، وبعث برأسه إلى المنصور ، وكان مقتله يوم الإثنين لخمس ليال بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة ، وكان عمره ثمانيا وأربعين سنة ، ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاث أشهر إلا خمسة أيام . وقيل كان سبب انهزام أصحاب إبراهيم ، أنهم لما هزموا أصحاب المنصور وتبعوهم نادى منادي إبراهيم : ألا تتبعوا مدبرا فرجعوا ، فلما رآهم أصحاب المنصور راجعين ظنوهم منهزمين ، فعطفوا في آثارهم وكانت الهزيمة . قال : وبلغ المنصور الخبر بهزيمة أصحابه أولاً ، فعزم على اتيان الري ، فأتاه نوبخت المنجم فقال : يا أمير المؤمنين ، الظفر لك ، وسيقتل إبراهيم فلم يقبل منه ، فبينما هو كذلك إذ أتاه الخبر بقتل إبراهيم ، فتمثل :
فألقت عصاها واستقر بها النوى . . . كما قر عيناً بالإياب المسافر
فأقطع المنصور فوبخت ألفي تجريب بنهر جوبر ، وحمل رأس إبراهيم إلى المنصور ، فوضع بين يديه فلما رآه بكى ، حتى جرت دموعه على خد إبراهيم ، ثم قال : أما والله إن كنت لهذا كارهاً ، ولكنك ابتليت بي وابتليت بك ، ثم جلس مجلساً