كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 39 """"""
الحسين فأخرجه وبجبهته ضربة طولا ، وعلى قفاه ضربة أخرى ، وكانوا قد نادوا الأمان ، فجاء الحسن بن محمد بن عبد الله أبو الزفت فوقف خلف محمد بن سليمان والعباس بن محمد ، فأخذه موسى بن عيسى وعبد الله ابن العباس فقتلاه ، فغضب محمد بن سليمان غضباً شديداً ، وأخذ رؤوس القتلى فكانت مائة رأس ونيفا ، وفيها رأس سليمان بن عبد الله ابن حسن بن حسن بن علي ، وأخذت أخت الحسين فتركت عند زينب بنت سليمان ، واختلط المنهزمون بالحاج ، وأتى الهادي بستة أسرى ، فقتل بعضهم واستبقى بعضهم ، وغضب على موسى ابن عيسى كيف قتل الحسن بن محمد ، وقبض أمواله فلم تزل بيده حتى مات ، وغضب على مبارك التركي ، وأخذ ماله وجعله سائس الدواب ، فبقي كذلك حتى مات الهادي ، وأفلت من المنهزمين إدريس ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ، فأتى مصر وعلى بريدها واضح ، مولى صالح بن المنصور ، وكان شيعياً فحمله على البريد إلى أرض المغرب ، فوقع بأرض طنجة بمدينة وليلة ، فاستجاب له من بها من البربر ، فضرب الهادي عنق واضح وصلبه ، وقيل إن الرشيد هو الذي قتله ، وأن الرشيد دس إلى إدريس الشماخ اليمامي ، مولى المهدي ، فأتاه وأظهر أنه من شيعتهم وعظمه وآثره على نفسه ، فمال إليه إدريس وأنزله عنده ، ثم إن إدريس شكا إليه مرضاً في أسنانه ، فوصف له دواء وجعل فيه سماً ، وأمره أن يستن به عند طلوع الفجر فأخذه منه ، وهرب الشماخ ثم استعمل إدريس الدواء فمات منه ، فولى الرشيد الشماخ بريد مصر . قال : ولما مات إدريس ابن عبد الله خلف مكانه ابنه إدريس بن إدريس ، وأعقب بها وملكوها ، ونازعوا بني أمية في إمارة الأندلس ، وقد تقدم ذكر ذلك في أخبار الأندلس فلا فائدة قي إعادته . قال : وحملت الرؤوس إلى الهادي ، فلما وضع رأس الحسين بين يديه قال : كأنكم قد جئتم برأس طاغوت من الطواغيت إن أقل ما أجزيكم أن أحرمكم جوائزكم ، فلم يعطهم شيئاً .
قال : وكان الحسين شجاعاً كريماً ، قدم على المهدي فأعطاه أربعين ألف دينار ، ففرقها في الناس ببغداد والكوفة ، وخرج من الكوفة لا يملك ما يلبسه ، إلا وبرا ليس تحته قميص ، وهذا غاية في الجود ونهاية في الكرم والإيثار ، رحمه الله تعالى وغفر له .

الصفحة 39