كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 64 """"""
رجل ، وقال له : إن احتجت إلى مدد فاستمدني ، فلما مضى على بن أبان صاح الزنج ، السلاح السلاح لحركة رأوها في جهة أخرى ، فوجه محمد بن سلم بجمع فحاربهم من وقت الظهيرة إلى وقت العصر ، ثم حمل الزنوج حملة صادقة فهزموهم ، وقتلوا من أهل البصرة والأعراب زهاء خمسمائة ، ورجعوا إلى صاحبهم ، ثم أقبل علي بن أبان في أصحابه - وقد هزموا من بإزائهم وقتلوا منهم ، ومعه رأس ابن أبي الليث البلالي القواريري من أعيان البلالية ، ثم سار من الغد عن ذلك المكان ، ونهى أصحابه عن دخول البصرة ، فتسرع بعضهم فلقيهم أهل البصرة في جمع عظيم ، وانتهى الخبر إليه فوجه محمد بن سلم وعلي بن أيان ومشرقاً وخلقاً كثيراً ، وجاء هو يسايرهم فلقوا البصريين ، فأرسل إلى أصحابه ليتأخروا ، عن المكان الذي فيه ، فتراجعوا فأكب عليهم أهل البصرة فانهزموا ، وذلك عند العصر ، ووقع الزنوج في نهر كبير ، وقتل منهم جماعة وغرق جماعة وتفرق الباقون ، وتخلف صاحبهم عنهم وبقي في نفر يسير فنجاً ، ثم لحقهم وهو متحيرون لفقده ، وسأل عن أصحابه فإذا ليس معه منهم إلا خمسمائة رجل ، فأمر بالنفخ في البوق الذي يجتمعون إليه ، فنفخ فيه فلم يأته أحد ، وكان أهل البصرة قد انتهبوا السفن التي كانت للزنوج وبها متاعهم ، فلما أصبح رأى أصحابه في ألف رجل ، فأرسل محمد بن سلم إلى البصرة يعظهم ويعلمهم : ما الذي دعاه إلى الخروج ؟ فقتلوه ، فلما كان يوم الاثنين لأربع عشرة خلت من ذي القعدة سنة خمس وخمسين ومائتين جمع أهل البصرة وحشدوا ، لما رأوا من ظهورهم عليه ، وانتدب لذلك رجل يعرف بحماد الساجي وكان من غزاة البحر ، وله علم في ركوب السفن ، فجمع المطوعة ورماة الأهداف وأهل المسجد الجامع ومن خف معه من البلالية والسعدية وغيرهم ، وشحن ثلاثة مراكب مقاتلة ، ومضى جمهور الناس رجالة ، منهم من معه سلاح ومنهم نظارة ، فدخلت المراكب في المد والرجالة على شاطىء النهر ، فلما علم صاحب الزنج بذلك وجه طائفة من أصحابه مع زريق الأصفهاني كمينا في شرفي النهر ، وطائفة مع شبل وحسين الحمامي في غربية كمينا ، وأمر علي بن أبان أن يلقي أهل البصرة وأن يتستر هو ومن معه - بتراسهم ، ولا يقاتل حتى يظهر أصحابه ، وتقدم إلى الكمينين - إذا جازوهم أهل البصرة - أن يخرجوا ويصيحوا بالناس ، وبقى هو في نفر يسير من أصحابه ، وقد هاله ما رأى من كثرة الجمع ، فثار أصحابه إليهم وظهر الكمينان من جانبي النهر وراء السفن والرحالة ، فضربوا من ولى من الرجالة والنظارة ، فغرقت طائفة وقتلت طائفة وهرب الباقون إلى الشط ، فأدركهم السيف فمن ثبت قتل ، ومن ألقى نفسه في الماء غرق ، فهلك أكثر ذلك الجمع فلم ينج إلا الشريد ، وكثر المفقودون من أهل البصرة ، وعلا العويل من

الصفحة 64