كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
ذكر دخول الزنج واسط وما تقدم ذلك من الحروب والوقائع
كان دخول الزنج واسط في سنة أربع وستين ومائتين ، وذلك أن سليمان بن جامع لما سار إلى البطائح في سنة اثنين وستين - وكان بينه وبين أغرتميش ما ذكرناه - كتب إلى صاحبه يستأذنه في المسير إليه ليحدث به عهداً فأذن له ذلك ، فأشار عليه الجبائي أن يتطرق إلى عسكر تكين البخاري ، وهو ببردود ، فقبل قوله وسار إلى تكين ، فلما كان على فرسخ منه قال له الجبائي : الرأي أن تقيم أنت ها هنا ، وأمضي أنا في السميريات فأجر القوم إليك فيأتونك وقد تعبوا ، فتنال منهم حاجتك ، ففعل سليمان ذلك وجعل بعض أصحابه كمينا ، ومضى الجبائي إلى تكين فقاتله ساعة ، ثم تطارد لهم فتبعوه ، فأرسل إلى سليمان يعلمه ذلك ، وقال لأصحابه - وهو بين أصحاب تكين شبه المنهزم ليسمع أصحاب تكين قوله - غررتموني وأهلكتموني وكنت نهيتكم عن الخول ها هنا فأبيتم ولا أرانا ننجو منه فطمع أصحاب تكين وجدوا في طلبه ، وجعلوا ينادون بلبل في قفص ، فما زالوا كذلك حتى جاوزوا موضع الكمين وقاربوا عسكر سليمان ، وقد كمن أيضاً خلف هناك ، فخرج سليمان إليهم فقاتلهم ، وخرج الكمين من خلفهم ، وعطف الجبائي على من في النهر ، فاشتد القتال ، فانهزم أصحاب تكين من الوجوه كلها ، وركبهم الزنج فقتلوهم وسلبوهم أكثر من ثلاثة فراسخ ، وعادوا عنهم ، فلما كان الليل عاد الزنج إليهم وهم في معسكرهم فكسبوهم ، فقاتلهم تكين وأصحابه فانكشف سليمان ، ثم عنى أصحابه وأمر طائفة أن يأتيه من جهة ذكرها لهم ، وطائفة من الماء ، وأتى هو في الباقين ، وقصدوا تكين من جهاته كلها ، فعلم يقف من أصحابه أحد ، وانهزموا وتركوا عسكرهم فغنم الزنج ما فيه ، وعادوا بالغنيمة .
واستخلف سليمان الجبائي على عسكره ، وسار إلى صاحبه وذلك في سنة ثلاث وستين ، فلما سار سليمان إلى صاحب الزنج خرج الجبائي بالعسكر إلى مازروان