كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
قربوا منه خرج عليهم فيمن معه ، وصاح بنصير إلى أين يتأخر عن هذه الأكلب ، فرجع نصير ، وركب أبو العباس سميرية وحف به أصحابه من جميع الجهات ، فانهزمت الزنج وكثر القتل فيهم ، وتبعوهم إلى أن وصلوا قرية عبد الله ، وهي على سنة فراسخ من الموضع الذي لقوهم به وأخذوا منهم خمس شذاوات وعدة سميريات ، وأسر جماعة واستأمن جماعة ، فكان هذا أول فتح .
فسار سليمان بن جامع إلى نهر الأمير ، وسار سليمان الشعراني إلى سوق الخميس ، وانحدر أبو العباس فأقام بالعمر ، وهو على فرسخ من واسط ، وأصلح شذاواته وأخذ يراوح القوم القتال ويغاديهم ، ثم إن سليمان استعد وحشد وجعل أصحابه في ثلاثة أوجه ، وقالوا إنه حدث غر يغرر بنفسه وكمنوا كميناً ، فبلغ الخبر أبا العباس فحذره ، وأقبلوا وقد كمنوا الكمناء ليغتر بأتباعهم فيخرج الكمين عليه ، فمنع أبو العباس أصحابه من اتباعهم ، فلما علموا أن كيدهم لم يتم خرج سليمان من الشذاوات والسميريات ، فأمر أبو العباس نصيراً أن يبرز إليهم ، وركب هو في شذاة من شذاواته سماها الغزال ، ومعه جماعة من خاصته ، وأمر الخيالة بالمسير بازائه على شاطئ النهر إلى أن ينقطع ، فيعبروا دوابهم ، ونشبت الحرب بين الفريقين فوقعت الهزيمة على الزنج ، وغنم أبو العباس منهم أربع عشرة شذاة ، وأفلت سليمان والجبائي بعد أن أشفيا على الهلاك ، وبلغوا طهيثاً وأسلموا ما كان معهم ، ورجع أبو العباس إلى معسكره ، وأقام الزنج عشرين يوماً لا يظهر منهم أحد ، وجعلوا على طريق الخيل آباراً وجعلوا فيها سفافيد حديد ، وجعلوا على رؤوسها البواري والتراب ليسقط فيها المجتازون ، فسقط فيها رجل ففطنوا لها فتركوا ذلك الطريق . واستمد سليمان صاحب الزنج فأمده بأربعين سميرية بآلاتها ومقاتليها ، فعادوا للتعرض للحرب فلم يثبتوا لأبي العباس ، ثم سير إليهم عدة سميريات فأخذها الزنج ، فبلغه الخبر وهو يتغدى فركب في سميرية ولم ينتظر أصحابه وتبعه منهم من خف فأدرك الزنج ، فانهزموا وألقوا أنفسهم في الماء ، فاستنقذ سميرياته ومن كان فيها ، وأخذ منهم إحدى وثلاثين سميرية ورمى أبو العباس يومئذ عن قوس حتى دميت إبهامه ، فلما رجع أمر لمن معه بالخلع ، وأمر بإصلاح السميريات المأخوذة من الزنج .