كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
المصيبة بموته ، وكان أعظم أصحابه غناء ، وانصرف الموفق إلى معسكره وقت المغرب ، وأمر أصحابه بالتحارس ليلتهم والتأهب للحرب ، فلما أصبحوا - وذلك في يوم السبت لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر - عبي الموقف أصحابه ، وجعلهم كتائب يتلوا بعضها بعضاً فرساناً ورجالة ، وأمر بالشذاوات والسميريات أن يسار بها إلى النهر ، الذي يشق مدينة سليمان ، وهو النهر المعروف بنهر المنذر ، ورتب أصحابه في المواضيع التي يخاف منها ، ثم نزل فصلى أربع ركعات وابتهل إلى الله عز وجل في النصر ثم لبس سلاحه ، وأمر ابنه أبا العباس أن يتقدم إلى السور ، فتقدم إليه فرأى خندقاً فأحجم الناس عنه ، فحرضهم قوادهم وترجلوا معهم فاقتحموه وعبروه ، وانتهوا إلى الزنج وهم على سورهم ، فلما رأى الزنج تسرعهم إليهم ولو منهزمين ، وأتبعهم أصحاب أبي العباس فدخلوا المدينة ، وكان الزنج قد حصنوها بخمسة خنادق ، وجعلوا أمام كل خندق سوراً ، فجعلوا يقفون عند كل سور وخندق فيكشفهم أصحاب أبي العباس ، ودخلت الشذاوات والسميريات المدينة من النهر ، فجعلت تغرق كل ما مرت لهم به من سميرية وشذاة ، وقتلوا من بجانبي النهر وأسروا ، حتى أجلوهم عن المدينة وعما اتصل بها ، وكان مقدار العمارة بها فرسخا ، وحوى الموفق ذلك كله ، وأفلت سليمان بن جامع ونفر من أصحابه ، وكثر القتل فيهم والأسر ، واستنقذ أبو أحمد من نساء أهل واسط والكوفة والقرى وصبيانهم أكثر من عشرة آلاف ، فأمر بحملهم إلى واسط ودفعهم إلى أهليهم ، وأخذ ما كان فيها من الدخائر والأموال ، وأمر بصرف ذلك إلى الأجناد ، وأسر عدة من نساء سليمان وأولاده ، وتخلص من كان أخذ من أصحاب الموفق ، ولجأ جمع كثير إلى الآجام فأمر أصحابه بطلبهم ، وأقام سبعة عشرة يوماً ، وهدم سور المدينة وطم خنادقها ، وجعل لكل من أتاه برجل منهم جعلاً ، فكان إذا أتي بالواحد منهم عفا عنه وضمه إلى قواده وغلمانه ، لما كان دبره من استمالتهم ، وأرسل في طلب سليمان ابن جامع حتى بلغوا دجلة العوراء فلم يظفروا به ، وأمر زيرك بالمقام بطهيثا ليتراجع أهل تلك الناحية إليها .
ذكر مسير الموفق إلى الأهواز وإجلاء الزنج عنها
قال : ولما فرغ أبو أحمد الموفق من المنصور رحل نحو الأهواز لإصلاحها وإجلاء الزنج عنها ، فأمر ابنه أبا العباس أن يتقدمه ، وأمر بإصلاح الطرق للجيوش ، واستخلف على من ترك من عسكره بواسط ابنه هارون ، ولحقة زيرك فأخبره بعود أهل