كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 89 """"""
إبراهيم البصري ، وهو من أكابر قوادهم ، وأخذ منهم ما يزيد على ثلاثين سميرية ، فجزع لذلك جميع الزنج ، فاستأمن إلى نصير منهم زهاء ألفي رجل ، فكتب بذلك إلى الموفق ، فأمره بقبولهم والإقبال إليه بالنهر المبارك ، فوافاه هنالك ، وأمر الموفق ابنه أبا العباس بالمسير إلى محاربة صاحب الزنج بنهر أبي الخطيب ، فساروا إليه فحاربه من بكرة النهار إلى الظهر ، واستأمن إليه قائد من قواد الزنج ومعه جماعة ، فكسر ذلك صاحب الزنج ، وعاد أبو العباس بالظفر ، وكتب الموفق إلى صاحب الزنج يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى مما ركب من سفك الدماء وانتهاك المحارم وخراب البلدان واستباحه الفروج والأموال وادعاء النبوة والرسالة ، ويبذل له الأمان ، فوصل الكتاب إليه فقرأه ولم يكتب جوابه .
ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهي المدينة التي سماها المختارة
قال : ولما أنفذ الموفق الكتاب إلى صاحب الزنج ولم يرد جوابه ، عرض عسكره وأصلح آلاته ورتب قواده ، ثم سار هو وابنه أبو العباس في العشرين من شهر رجب سنة سبع وستين إلى مدينة صاحب الزنج ، فلما أشرف عليها وتأملها ورأى حصانتها بالأسوار والخنادق ووعور الطريق إليها وما أعد من المجانيق والعرادات والقسي وسائر الآلات على سورها مما لم ير مثله ممن تقدم من منازعي السلطان ، ورأى من كثرة عدد المقاتلة ما استعظمه ، فلما عاين الزنج أصحاب الموفق ارتفعت أصواتهم حتى ارتجت الأرض ، فأمر الموفق ابنه بالتقدم إلى سور المدينة ورمى من عليه بالسهام ، فتقدم حتى ألصق شذاواته بقصر صاحب الزنج ، فكثر الزنج وأصحابهم على أبي العباس ، وتتابعت سهامهم وحجارة مجانيقهم ومقاليعهم ، ورمى عوامهم بالحجارة عن أيديهم ، حتى ما يقع الطرف إلا على سهم أو حجر ، وثبت أبو العباس ، فرأى صاحب الزنج في ثباته وثبات أصحابه ما لا رأى مثله من أحد ممن حاربهم ، ثم أمرهم الموفق بالرجوع ففعلوا ، واستأمن إلى الموفق مقابلة من سمارتين فأمنهم ، وخلع على من فيها من المقاتلة والملاحين على أقدارهم ووصلهم ، وأمر بإدنائهم إلى موضع يراهم فيه نظراؤهم ، فكان ذلك من أنجع المكائد ، فلما رأوهم الباقون رغبوا في الأمان وتنافسوا فيه وابتدروا إليه ، فصار إلى الموفق في ذلك اليوم عدد كثير من أصحاب السميريات فعمهم بالخلع والصلات ، فلما رأى صاحب الزنج ذلك أمر برد أصحاب السميريات إلى نهر أبي الخصيب ، ووكل بفوهة النهر من

الصفحة 89