كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
يمنعهم من الخروج ، وأمر بهبود - وهو من أشر قواده ، أن يخرج من الشذاوات ، فخرج فبرز إليه أبو العباس في شذاواته وقاتله ، واشتدت الحرب فانهزم بهبود إلى فناء قصر صاحب الزنج ، وأصابته طعنتان وجرح بالسهام ، فولج نهر أبي الخصيب وقد أشفى على الموت ، وقتل ممن كان معه قائد ذو بأس - يقال له عميرة ، وظفر أبو العباس بشذاة فقتل أهلها ، ورجع هو ومن معه سالمين ، واستأمن إلى أبي العباس أهل شذاة فأمنهم وأحسن إليهم وخلع عليهم ، ورجع الموفق ومن معه إلى عسكره بالنهر المبارك ، واستأمن إليه عند منصرفه خلق كثير ، فأمنهم وخلع عليهم ووصلهم وأثبت أسماءهم مع أبي العباس ، وأقام في عسكره يومين لست ليال بقين من شهر رجب إلى نهر جطي فنزله ، وقام به إلى منتصف شعبان لم يقاتل .
ثم ركب في منتصف شعبان في الخيل والرجل وأعد الشذاوات والسميريات ، وكان معه من الجند والمطوعة زهاء خمسين ألفاً ، وكان مع صاحب الزنج أكثر من ثلاثمائة ألف إنسان ، كلهم ممن يقاتل بسيف أو رمح أو مقلاع أو منجنيق ، وأضعفهم رماة الحجارة من أيديهم وهم النظارة ، والنساء تشركهم في ذلك ، فأقام أبو أحمد ذلك اليوم ، ونودي بالأمان للناس كافة إلا صاحب الزنج ، وكتب الأمان في رقاع ورميت في السهام ، ووعد فيها الإحسان ، فمالت قلوب أصحاب صاحب الزنج فاستأمن من ذلك اليوم خلق كثير ، فخلع عليهم ووصلهم ، ولم يكن ذلك اليوم حرب .
ثم رحل من نهر جطى من الغد فعسكر قرب مدينة صاحب الزنج ، ورتب قواده وأجناده وعين لكل طائفة موضعاً يحافظون عليه ويضبطونه ، وكتب الموفق إلى البلاد في عمل السميريات والشذاوات والزواريق والإكثار منها ، ليضبط بها لتنقطع الميرة عن صاحب الزنج وأسس في منزلته سماها الموفقية ، وكتب إلى عماله من النواحي بحمل الأموال والميرة في البر والبحر إلى مدينته ، وأمرهم بإنقاذ من يصلح للإثبات في الديوان ، وأقام ينتظر ذلك شهراً ، فوردت عليه المير متتابعة ، وجهز التجار صنوف التجارات إلى الموفقية ، واتخذت فيها الأسواق ، ووردتها مراكب البحر ، وبنى الموفق بها المسجد الجامع وأمر الناس بالصلاة فيه ، فجمعت هذه المدينة من المرافق وسيق إليها من صنوف الأشياء ما لم يكن في مصر من الأمصار القديمة ، وحملت الأموال وأدرت الأرزاق .