كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
قال : وعبرت طائفة من الزنج فنهبوا أطراف عسكر نصير وأوقعوا به ، فأمر الموفق نصيراً بجمع عسكره وضبطهم ، وأمر الموفق ابنه أبا العباس بالمسير إلى طائفة من الزنج كانوا خارج المدينة ، فقاتلهم فقتل منهم خلقاً كثيراً وغنم ما كان معهم ، فصار إليه طائفة منهم بالأمان ، فخلع عليهم وأمنهم ووصلهم ، وأقام أبو أحمد يكايد صاحب الزنج ، يبذل الأمان لمن صار إليه ، ومحاصرة الباقين والتضييق عليهم ، وكانت قافلة قد أتت من الأهواز فأسرى إليها بهبوذ في سميريات ، فأخذها فعظم ذلك على الموفق ، وغرم لأهلها ما أخذ منهم ، وأمر بترتيب الشذاوات على مخارج الأنهار ، وقلد ابنه أبا العباس الشذاوات وحفظ الأنهار بها من البحر إلى المكان الذي هم به .
قال : وفي شهر رمضان من السنة عبرت طائفة من الزنج يريدون الإيقاع بنصير ، فردهم الله خائبين ، وظفروا بصندل الزنجي ، وكان يكشف رؤوس المسلمات ويقلبهن تقليب الإماء ، فلما أتى به أمر الموفق أن يرمي بالسهام ثم قتله ، واستأمن إلى الموفق من الزنج خلق كثير ، فبلغت عدة من استأمن إليه إلى آخر شهر رمضان خمسين آلفاً ؛ وفي شوال انتخب صاحب الزنج من عسكره خمسة آلا فمن الشجعان والقواد ، وأمر علي بن أبان المهلبي بالعبور لكبس عسكر الموفق ، وكان فيهم أكثر من مائتي قائد ، فعبروا ليلاً واختفوا في آخر النخل ، وأمرهم : أنه إذا ظهر أصحابهم وقاتلوا الموفق من بين يديه ظهروا وحملوا على عسكره ، وهم غارون مشاغيل بحرب من أمامهم ، فاستأمن منهم إنسان من الملاحين فأخبر الموفق ، فسير ابنه أبا العباس لقتالهم وضبط الطرق التي يسلكونها ، فقاتلوا قتالاً شديداً ، وأسر أكثرهم ، وغرق منهم كثير ، وقتل بعضهم ونجا بعضهم ، فأمر أبو العباس أن تحمل الأسرى والرؤوس في السميريات ، ويعبر بهم على مدينة صاحب الزنج ، ففعلوا ذلك ، وبلغ الموفق أن صاحب الزنج قال لأصحابه : إن الأسرى والرؤوس من المستأمنة ، فأمر بإلقاء الرؤوس إليهم في منجنيق ، فلما رأوها عرفوها فأظهروا الجزع والبكاء ، وظهر لهم كذب صاحبهم .
وفيها أمر صاحب الزنج باتخاذ شذاوات فعملت له ، فكانت خمسين شذاة فقسمها بين ثلاثة من قواده ، وأمرهم بالتعرض لعسكر الموفق ، وكانت شذاوات الموفق يومئذ قليلة ، لأنه لم يصل إليه ما أمر بعمله ، والتي كانت عنده منها فرقها على أفواه الأنهار ، ليقطع الميرة عن صاحب الزنج ، فخافهم أصحاب الموفق فورد عليهم الشذاوات التي كان الموفق أمر بعملها ، فسير ابنه أبا العباس يوردها خوفاً عليها من الزنج ، فلما أقبل بها رآها الزنج فعارضوها بشذاواتهم ، فقصد غلام لأبي العباس