كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
حتى انتهوا إلى نهر ابن سمعان ، وقد صارت دار ابن سمعان في أيدي أصحاب الموفق فأحرقوها ، وقاتلهم الزنج هناك ثم انهزموا حتى بلغوا ميدان صاحبهم ، فرجع في جمع من أصحابه عنه ، وقرب منه بعض رجالة الموفق ، فضرب وجه فرسه بترسه وذلك مع مغيب الشمس ، فأمر الموفق الناس بالرجوع فرجعوا ، ومعهم من رؤوس أصحابه شيء كثير ، وقد استأمن إلى أبي العباس أول النهار نفر من قواد صاحب الزنج ، فتوقف عليهم حتى حملهم في السفن . وأظلم الليل وهبت ريح عاصف وقوي الجزر ، فلصق أكثر السفن بالطين ، فخرج جماعة من الزنج فنالوا من أصحابه ، وقتلوا منهم نفر . وكان بهبوذ بازاء مسرور البلخي فأوقع بأصحاب مسرور ، وقتل منهم وأسر جماعة ، فكسر ذلك من نشاط أصحاب الموفق ، وكتن بعض أصحاب صاحب الزنج قد انهزم على وجهه نحو نهر الأمير وعبادان ، وهرب جماعة من الأعراب إلى البصرة ، فأرسلوا يطلبون الأمان فأمنهم الموفق ، وخلع عليهم وأجرى عليهم الأرزاق ، وكان ممن رغب في الأمان من قواده ريحان بن صالح المغربي - وكان من رؤساء أصحابه ، فأرسل يطلب الأمان وأن يرسل جماعة إلى مكان ذكره ليخرج إليهم ، ففعل الموفق فصار إليه فخلع عليه وأحسن إليه ووصله ، ثم ضمه إلى أبي العباس ، ثم استأمن بعده جماعة من أصحابه ، وكان خروج ريحان إليه لليلة بقيت من ذي الحجة من هذه السنة .
وفي سنة ثمان وستين ومائتين في المحرم إلى الموفق من قواد صاحب الزنج جعفر بن إبراهيم المعروف بالسجان ، وكان من ثقات أصحابه فارتاع لذلك ، وخلع عليه الموفق وأحسن إليه ، وحمله في سميرية إلى إزاء قصر صاحبه ، وأخبرهم أنهم في غرور وأعلمهم بما وقف عليه من كذب الخبيث وفجوره ، فاستأمن في ذلك اليوم خلق كثير من قواد الزنج وغيرهم ، فأحسن إليهم الموفق وتتابع الناس في طلب الأمان ، ثم أقام الموفق لا يحارب ليربح أصحابه إلى شهر ربيع الآخر من السنة .
فلما انتصف الشهر قصد الموفق مدينة الزنج ، فرق قواده على جهاتها ، وجعل مع كل طائفة منهم من النقابين جماعة لهدم السور ، وتقدم إلى جميعهم ألا يزيدوا على هدم السور ولا يدخلوا المدينة ، وتقدم إلى الرماة أن يحموا بالسهام من يهدم