كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)

"""""" صفحة رقم 95 """"""
السور وينقبه ، فتقدموا إلى المدينة من سائر جهاتها ، ووصلوا إلى السور وثلموه في مواضع كثيرة ، ودخل أصحاب الموفق المدينة في تلك الثلم ، وجاء أصحاب صاحب الزنج فقاتلوهم فهزمهم أصحاب الموفق ، وتبعوهم حتى أوغلوا في طلبهم ، واختلفت بهم طرق المدينة ، فبلغوا أبعد من الموضع الذي وصلوا إليه في المرة الأولى وأحرقوا وأسروا ، وتراجع الزنج عليهم وخرج الكمناء من مواضع يعرفونها ويجهلها أصحاب الموفق ، فتحيروا ودافعوا عن أنفسهم وتراجعوا نحو دجلة ، بعد أن قتل منهم جماعة وأخذ الزنج أسلابهم ، ورجع الموفق إلى مدينته وأمر بجمع أصحابه ، ولامهم على مخالفته في دخولهم وإفساد رأيه وتدبيره ، وأمر بإحصاء من فقد من أصحابه ، وأقر ما كان لهم من الرزق على أولادهم وأهليهم ، فحسن موقع ذلك عندهم ، وزاد في صحة نياتهم وصدق عزائمهم .
ذكر إيقاع أبي العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب
وفي سنة ثمان وستين ومائتين أوقع أبو العباس أحمد بن الموفق ، وهو المعتضد بالله بقوم من الأعراب ، وكانوا يحملون الميرة إلى الزنج فقتل منهم جماعة وأسر الباقين وغنم ما كان منهم ، وأرسل إلى البصرة من أقام بها لأجل قطع الميرة ، وسير الموفق رشيقاً مولى أبي العباس ، فأوقع بقوم من بني تميم كانوا يجلبون الميرة إلى صاحب الزنج ، فقتل أكثرهم وأسر جماعة منهم ، فحمل الأسرى والرؤوس إلى الموفقية ، فأمر بهم الموفق فوقفوا بازاء عسكر الزنج ، وكان فيهم رجل يسفر بين صاحب الزنج والأعراب ، فقطعت يده ورجله وألقى في عسكر الزنج ، وأمر بضرب أعناق الأسرى فانقطعت الميرة بذلك عن صاحب الزنج ، فأضر بهم الحصار وأضعف أبدانهم ، فكان يسأل الأسير والمستأمن عن عهده بالخبز فيقول : عهدي به منذ زمان طويل ، فلما وصلوا إلى هذا الحال رأى الموفق أن يتابع عليهم الحرب ، ليزيدهم ضراً وجهداً ، فكثر المستأمنون في هذا الوقت ، وخرج كثير من أصحاب الخبيث فتفرقوا في القرى والأنهار البعيدة في طلب القوت ، فبلغ ذلك الموفق فأمر جماعة من قواد غلمانه بقصد تلك المواضع ، ويدعون من بها إليه فمن أبى قتلوه ، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً وأتاه كثير منهم ، فلما كثر المستأمنون عند الموفق عرضهم ، فمن كان ذا قوة وجلد أحسن إليه وخلطه بغلمانه ، ومن كان منهم ضعيفاً أو شيخاً أو جريحاً قد أذمنته الجراحة كساه

الصفحة 95