كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
وأعطاه دراهم ؛ وأمر به أن يحمل إلى عسكر صاحب الزنج ، فيذكر ما رأى من الإحسان ، فتهيأ له بذلك ما أراد من استمالة أصحاب الخبيث ، وجعل الموفق وابنه أبو العباس يلا زمان قتال صاحب الزنج - تارة هذا وتارة هذا - وجرح أبو العباس ثم بريء ، وكان من جملة من قتل من أعيان قواد صاحب الزنج بهبوذ بن عبد الوهاب ، وكان كثير الخروج في السميريات ، وكان ينصب عليها أعلاماً تشبه أعلام الموفق ، فإذا رأى من يستضعفه أخذه ، فأخذ من ذلك مالاً جزيلاً ، فواقعة في بعض خرجاته أبو العباس ، فافلت بعد أن أشفى على الهلاك ، ثم خرج مرة أخرى فرأى سميرية ، فيها بعض أصحاب أبي العباس فقصدها طامعاً في أخذها ، فحاربه أهلها فطعنه غلام من غلمان أبي العباس في بطنه ، فسقط في الماء فأخذه أصحابه فحملوه إلى عسكر صاحبه ، فمات قبل وصوله وكان قتله من أعظم الفتوح ، وعظمت الفجيعة على صاحب الزنج وأصحابه ، واشتد جزعهم عليه ، وأحسن الموفق إلى ذلك الغلام فوصله وكساه وطوقه وزاد في رزقه ، وفعل بكل من كان معه في تلك السميرية نحو ذلك ، ثم ظفر بالذوائبي وكان ممايلاً لصاحب الزنج . وفي سنة تسع وستين ومائتين رمى الموفق بسهم في صدره ، وكان سبب ذلك أن بهبوذ لما هلك طمع صاحب الزنج في أخذ أمواله ، وكان قد صح عنده أن ملكه قد حوى مائتي ألف دينار وجواهر وفضة ، فطلب ذلك وأخذ أهله وأصحابه فضربهم ، وهدم ابنتيه طمعاً في المال فلم يجد شيئاً ، فكان فعله مما أفسد قلوب أصحابه عليه ، ودعاهم إلى الهرب منه ، فأمر الموفق بالنداء بالأمان في أصحاب بهنوذ ، فسارعوا إليه فألحقهم في العطاء ممن تقدم ، ورأى الموفق ما كان يتعذر عليه من العبور إلى الزنج ، في الأوقات التي تهب فيها الرياح لتحرك الأمواج ، فعزم على أن يوسع لنفسه ولأصحابه موضعاً في الجانب الغربي ، فأمر بقطع النخل وإصلاح المكان ، وأن تعمل له الخنادق والسور ليأمن البيات ، فعلم صاحب الزنج أن الموفق إذا جاوره قرب على من يريد اللحاق به المسافة ، مع ما يدخل قلوب أصحابه من الخوف وانتقاض تدبيره عليه فاهتم بمنع الموفق من ذلك وبذل الجهد فيه وقاتل أشد القتال ، فاتفق أن الريح عصفت في بعض تلك الأيام وقائد من القواد هناك ، فانتهز صاحب الزنج الفرصة في انفراد هذا القائد وانقطاع المدد عنه فسير إليه جميع أصحابه فقاتلوه فهزموه ، وقتلوا كثيراً من أصحابه ولم يجد الشذاوات التي لأصحاب الموفق سبيلاً إلى القرب منهم ، خوفاً من الزنج أن تلقيها على الحجارة فتنكسر ، فغلب الزنج عليهم وأكثروا القتل والأسر ، ومن سلم منهم ألقى نفسه في الشذاوات وعبروا إلى الموفقية فعظم ذلك على الناس ، ونظر الموفق فرأى أن نزوله بالجانب الغربي لا يأمن معه