كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
حيلة الزنج وصاحبهم وانتهاز فرصة لكثرة الأدغال وصعوبة المسالك ، وأن الزنج أعرف بتلك المضايق وأجرأ عليها من أصحابه ، فترك ذلك وجعل قصده إلى هدم سور صاحب الزنج وتوسعة الطرق والمسالك ، فأمر بهدم السور من ناحية النهر المعروف بمنكي ، وباشر الحرب بنفسه واشتد القتال ، وكثر القتل والجراح من الجانبين ودام ذلك أياماً عدة ، وكان أصحاب الموفق لا يستطيعون الولوج لقنطرتين كانتا على نهر منكى ، وكان الزنج يعبرون عليها وقت القتال ، فيأتون أصحاب الموفق من وراء ظهورهم فينالون منهم ، فأعمل الحيلة في إزالتهما ، فأمر أصحابه بقصدهما عند اشتغال الريح وغفلتهم عن حراستهما ، وأمرهم أن يعدوا الفؤوس والمناشير وما يحتاجون إليه من الآلات ، فقصدوا القنطرة الأولى نصف النهار فأتاهم الزنج لمنعهم ، فاقتتلوا فانهزم الزنج ، وكان مقدمهم أبا النداء فأصابه سهم ، في صدره فقتله ، وقطع أصحاب الموفق القنطرتين ورجعوا ، وألح الموفق على صاحب الزنج بالحرب ، وهدم أصحابه من السور ما أمكنهم ، ودخلوا المدينة وقاتلوا فيها ، وانتهوا إلى دار ابن سمعان وسليمان بن جامع فهدموهما ، ونهبوا ما فيهما ، وانتهوا إلى سويقة لصاحب الزنج سماها الميمونة ، فهدمت وأخربت وهدموا دار الجنائي وانتهبوا ما كان فيها من الخزائن ، وتقدموا إلى الجامع ليهدموه فاشتد محاماة الزنج عنه ، فلم يصل إليه أصحاب الموفق ، لأنه كان قد خلص مع صاحب الزنج نخبة أصحابه وأرباب البصائر ، فكان أحدهم إذا قتل أو جرح اجتذبه الذي إلى جنبه ووقف مكانه ، فلما رأى الموفق ذلك أمر أبا العباس بقصد الجامع من أحد أركانه بشجعان أصحابه ، وأضاف إليهم الفعول للهدم ونصب السلاليم ففعل ذلك ، وقاتل عليه أشد قتال فوصلوا إليه فهدموه ، وأخذ منبره فأتى به الموفق ، ثم عاد الموفق لهدم السور فأكثر منه ، وأخذ أصحابه دواوين صاحب الزنج وبعض خزانته ، فظهر للموفق إمارات الفتح ، فإنهم لعلى ذلك إذ وصل سهم إلى الموفق فأصابه في صدره رماه به رومي كان مع صاحب الزنج اسمه قرطاس وذلك لخمس بقين من جمادي الأولى ، فستر الموفق ذلك وعاد إلى مدينته فبات ، ثم عاود الحرب على ما به من ألم الجراح ، ليشد بذلك قلوب أصحابه فزاد في علته ، وعظم أمرها حتى خيف عليه ، واضطرب العسكر والرعية وخافوا وأشار عليه بعض أصحابه وثقاته بالعود إلى بغداد ، ويخلف من يقوم مقامه فأبى ذلك ، وخاف أن يستقيم من حال صاحب الزنج ما فسد ، واحتجب عن الناس مدة ثم بريء من علته ، وظهر لهم ونهض لحرب صاحب الزنج وكان ظهوره في شعبان من هذه السنة .