كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 25)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
ذكر إحراق قصر صاحب الزنج وما يتصل بذلك من الحروب والوقائع
قال : ولما صح الموفق من جراحه عاد إلى ما كان عليه من حرب صاحب الزنج ، وكان قد أعاد بعض الثلم في السور ، فأمر الموفق بهدم ذلك وهدم ما يتصل به وركب في بعض العشايا ، وكان القتال متصلاً ذلك اليوم مما يلي نهر منكى ، والزنج مجتمعون فيه قد شغلوا أنفسهم بتلك الجهة ، وظنوا أنهم لا يؤتون إلا منها ، فأتى الموفق ومعه الفعلة وقرب من نهر منكى وقاتلهم ، فلما اشتدت الحرب أمر الذين في الشذاوات بالمصير إلى أسفل نهر أبي الخصيب ، وهو خال من المقاتلة والرجال ، فتقدم أصحاب الموفق وأخرجوا الفعلة فهدموا السور من تلك الناحية ، وصعد المقاتلة فقتلوا في النهر مقتلة عظيمة ، وانتهوا إلى قصور من قصور صاحب الزنج فأحرقوها وانتهبوا ما فيها واستنقذوا عدداً كثيراً من النساء اللاتي كن فيها ، وغنموا منها ، وانصرف الموفق عند غروب الشمس بالظفر والسلامة ، وبكر إلى حربهم وهدم السور ، فأسرع الهدم حتى اتصل بدار انكلاى ، وهي متصلة بدار صاحب الزنج ، فلما أعيت صاحب الزنج الحيل أشار عليه على ابن أبان بإجراء الماء على السباخ ، وأن يحفر خنادق في مواضع عدة تمنعهم من دخول المدينة ففعل ذلك ، فرأى الموفق أن يجعل قصده طم الخنادق والأنهار والمواضع المعورة ففعل ذلك ، وحامى الزنج عنه ودامت الحرب ، ووصل إلى الفريقين من القتل والجراح أمر عظيم ، وذلك لتقارب ما بين الفريقين ، فلما رأى شدة الأمر من هذه الناحية قصد إحراق دار صاحب الزنج والهجوم عليها من دجلة ، فكان يعوقه عن ذلك كثرة ما أعد لها من المقاتلة والحماة عن داره ، فكانت الشذاوات إذا قربت من قصره رميت من فوق القصر بالسهام والحجارة والمجانيق والمقاليع ، وأذيب الرصاص وأفرغ عليهم فتعذر إحراقها لذلك ، فأمر الموفق أن يسقف الشذا بالأخشاب ، ويعمل عليها الخيش وتطلى بالأدوية التي تمنع النار من إحراقها ففعل ذلك ، ورتب فيها أنجاد أصحابه وجمعا من النفاطين .
واستأمن إلى الموفق محمد بن سمعان كاتب صاحب الزنج ، وكان أوثق أصحابه في نفسه ، وكان سبب استئمانه أن صاحب الزنج أطلعه على أنه عازم على الخلاص