كتاب المحاضرات والمحاورات

الثامنة من عمره، وحفظ كثيرا من المتون والكتب، في الفقه والنحو واللغة وغيرها من الفنون، وأتاحت للسيوطي كثرة أسفاره أن يأخذ عن مشايخ من مصر والشام والحجاز، بلغ عددهم كما يذكر السيوطي ست مئة نفس، وقد أجازه أكثرهم، يقول: «وأجاز لي خلق من الديار المصرية والحجاز وحلب، وقد جمعت معجما في أسماء من سمعت عليه أو أجازني، أو أنشدني شعرا فبلغوا نحو ست مئة نفس» [1] ، ومن شيوخه الذين أخذ عنهم ولازمهم مدة طويلة شهاب الدين الشارمساحي، وشرف الدين المناوي، ومحيي الدين الكافيجي، وجلال الدين المحلي، وعلم الدين البلقيني، وتقي الدين الشّمنّي، وعبد القادر ابن أبي القاسم الأنصاري السعدي، وغيرهم، أما النساء اللواني سمع منهن وأخذ عنهم الحديث فيذكر منهن: أم الهنا المصرية بنت القاضي ناصر الدين محمد البدراني، وعائشة بنت عبد الهادي، وزينب بنت الحافظ عبد الرحيم العراقي، وأم الفضل بنت محمد المقدسي، وأم هاني بنت الهوريني، وغيرهن [2] .
لقد أجيز السيوطي للتدريس سنة 866 هـ، وبدأ نجمه في الصعود، وصار يفتي من سنة 871 هـ، ثم أملى الحديث بالجامع الطولوني، وكان إملاء الحديث قد توقف بموت ابن حجر العسقلاني، فجدده السيوطي [3] ، ويقول السيوطي إنه في سنة 875 هـ، تنازع الناس في أمر الشاعر الصوفي عمر بن الفارض، واسهم السيوطي في هذا النزاع منحازا لابن الفارض، وعلى أثر ذلك لقيت مؤلفات السيوطي رواجا كبيرا، حتى إنها دخلت بلاد المغرب على يد ابن المجحود المصراتي، ووصلت كذلك إلى بلاد الروم والشام والحجاز وغيرها [4] ، وفي سنة 877 هـ بلغ رتبة الاجتهاد [6] ، ثم عين في مشيخة الخانقاه البيبرسية سنة 891 هـ[7] ، وكثر خصوم السيوطي كلما علت مكانته وذاع صيته، وكان أشد خصومه الشيخ السخاوي وابن الكركي، وكان السيوطي قد كتب مقامته (الكاوي في تاريخ السخاوي) ، وهي مقامة شديدة قاسية نال فيها من السخاوي وكتابه في التاريخ، ولم يبق له علما ولا قدرا، ومما قاله في وصف خصمه: «يا أرباب النّهى والألباب، وأصحاب المعارف والآداب..... ما ترون في رجل ألف تاريخا جمع فيه أكابر وأعيانا، ونصبه
__________
[1] التحدث بنعمة الله ص 43.
[2] حسن المحاضرة 1/338، وجلال الدين السيوطي لمصطفى الشكعة ص 15- 23، 27- 37.
[3] التحدث بنعمة الله ص 88- 89.
[4] التحدث بنعمة الله ص 155- 159.
[5] السابق ص 90، وبدائع الزهور 3/82، وشرح مقامات جلال الدين السيوطي 1/33.
[6] صون المنطق ص 1.
[7] بدائع الزهور 3/228.

الصفحة 11